يرى ناشطو الإعلام الجديد الفلسطينيّون أنّهم يخوضون معركة في العالم الإفتراضيّ مع إسرائيل خلال الانتفاضة الجارية، ممّا دفع بإدارة "فيسبوك" إلى حجب العديد من صفحاتهم في الأسابيع الأخيرة، وتحريض إسرائيل عليهم في المحافل الدوليّة، واعتبار ما ينشر عليها من تغريدات تحريضاً يستحقّ الملاحقة.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، عبر المواجهات الميدانيّة في الضفّة الغربيّة، والعمليات الّتي ينفّذها الفلسطينيّون ضدّ الإسرائيليّين، تقوم إسرائيل بعمليّات عسكرية لاجتياح متلاحقة للأراضي الفلسطينيّة، فيما تندلع انتفاضة أخرى في العالم الافتراضي على شبكات التّواصل الاجتماعي.
وأبدى الفلسطينيّون نشاطاً محموماً لتفعيل وسائل الإعلام الجديد ما قبل اندلاع الانتفاضة الحالية، بتداولهم التّغريدات والتّدوينات الخاصّة بالانتفاضة، وتمجيد عمليّات الطعن وإطلاق النّار ضدّ الإسرائيليّين، يبثون صور منفذي العمليات، وينشرون تصاوير فيديو لهم على صفحاتهم، وبات الفلسطينيّون بغالبيّتهم يملكون حساباً شخصيّاً على "فيسبوك" و"تويتر"، ووصل عددهم تقريباً إلى ما يزيد عن 2.5 مليون فلسطينيّ، وأصبحت هذه الشبكات الإلكترونيّة تنشر الأخبار الخاصّة بالانتفاضة، وتمنح الفلسطينيّين مزيداً من الدوافع لتنفيذ الهجمات ضدّ الإسرائيليّين.
منذ اندلاع انتفاضة القدس تجري حرب افتراضية إلكترونيّة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين بإغراق شبكات التّواصل الاجتماعي بالأخبار الميدانيّة أوّلاً بأوّل، ونشر حملات تغريد بشكل مكثّف يوميّ، للضغط على إسرائيل ومناصريها في العالم، وربّما يكون مشهد الفيديو للفتى الفلسطينيّ أحمد المناصرة، الذي يظهر فيه محققو المخابرات الإسرائيلية يحققون معه بعنف، لاتهامه بطعن أحد الإسرائيليين في القدس، قد اكتسب زخماً إعلاميّاً كبيراً على مستوى شبكات التّواصل الاجتماعي، وشهدت رواجاً متزايداً خلال لحظات قليلة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وتمّ منحها هاشتاغات خاصّة بها، للحصول على أعلى معدّلات في التّغريد والمنشورات.
لم تقف إسرائيل صامتة أمام الجهود الفلسطينيّة عبر شبكات التّواصل، فأغلقت بعد التواصل مع إدارة الفيس بوك عدداً من صفحات الفيس بوك، وقدّمت بلاغات إلى إدارة "فيسبوك" عن صفحات الشهداء، اعتبرتها إسرائيل تحريضاً على تنفيذ العمليّات ضدّ الإسرائيليّين، مع العلم أن هناك طريقة تقنية معمول بها لدى جميع مستخدمي الفيس بوك، طبقها الإسرائيليون جيدا خلال الانتفاضة الحالية، تتمثل بتقديم عشرات الإسرائيليين لبلاغات لإدارة الفيس بوك بأن بعض الصفحات الفلسطينية تحرض على القتل، ويذكرونها بالاسم، فتقوم إدارة الفيس بوك بإغلاق هذه الصفحات، لأنه احتوت على منشورات انتهكت معايير الفاسبوك، لأنها تحض على القتل والعنف.
كما حصل اتفاق بين وزارة الخارجية الإسرائيلية مع إدارة شركتي غوغل ويوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، على محاربة التحريض عبر صفحاتها، علما بأن الفلسطينيّين لجأوا إلى الإعلام الجديد في الانتفاضة الحاليّة، نظراً لدوره المهمّ في نشر فعاليّاتها وأحداثها، وقدرة شبكات التّواصل الاجتماعي على تحشيد الجمهور الفلسطينيّ خلف الانتفاضة، رغم الجهود الإسرائيليّة للحدّ من تأثيرها، من خلال تقديم البلاغات إلى إدارة فيسبوك لحجب بعض الصفحات وإغلاقها.
يبدو أن إسرائيل عملت منذ أكتوبر الماضي على مواجهة الفلسطينيّين في شبكات التّواصل الاجتماعي من خلال جملة من الإجراءات، لعل أهمها: تجنيد لما يقرب من 5 آلاف حساب وهمي على الفيس بوك لمحاربة الفلسطينيين عبر هذه الشبكة، ممّن لديهم القدرة على اختراقها ويتقنون اللّغتين الإنكليزيّة والعربيّة، ومهمّتهم اختراق الصفحات الفلسطينيّة وتدميرها، وتقديم بلاغات إلى إدارة "فيسبوك" ضدّ العديد منها، واعتقال عدد من الفلسطينيين خلال الشهور الثلاثة الماضية بتهمة كتابة منشورات على الفيس بوك تدعو لقتل الإسرائيليين.
وتشير المتابعة الميدانيّة لما تشهده المواجهة الافتراضية بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة منذ تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، إلى حجم الجهود الإسرائيليّة لملاحقة الفلسطينيّين عبر شبكات التّواصل من خلال إغلاق بعض الصفحات، وتقديم عشرات البلاغات عن صفحات أخرى لإدارة "فيسبوك"، ورصد منشورات الفلسطينيّين، لا سيّما المقاطع المرئيّة الّتي تروّج مشاهد العنف الّتي يرتكبها الجنود الإسرائيليّون من خلال منشورات وصفحات عدّة باللّغات العربيّة والأجنبيّة الّتي تتحدّث عن تجاوزات الاحتلال الإسرائيليّ ضدّ الفلسطينيّين، فيما اعتقل الجيش الإسرائيلي 27 فلسطينيّاً من منذ تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، بسبب نشاطاتهم على مواقع التّواصل الاجتماعي، وتقديم لوائح اتّهام ضدّهم بتهمة التّحريض.
أخيرا.. في الوقت الّذي تشهد فيه عمليّات الانتفاضة الفلسطينيّة ضدّ الإسرائيليّين بعض الهدوء أو التّراجع، فإنّ شبكات التّواصل الاجتماعي تواصل انتفاضة أخرى بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين عبر المنشورات والتّغريدات والتّعليقات المضادّة على صفحات الجانبين، ممّا يعني استمرار هذه الحرب الضارية من دون أن تطلق فيها رصاصة واحدة.