حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال الآونة الأخيرة كسر الجمود الذي يحيط ملف جنودها المفقودين خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وذلك عبر مطالبة وزير حربها موشيه يعالون بضرورة أن يشمل أي اتفاق مصالحة مرتقب مع تركيا إعادة "جثث جنوده المأسورين في غزة".
مطالبة يعالون تبعها طلب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال لقائه الأخير بها الأسبوع الماضي، الوساطة لإعادة "جثث جنوده من القطاع"، معززاً بذلك المؤشرات على رغبة حكومة الاحتلال مغادرة مربع الجمود في ملف الجنود المفقودين في غزة.
جدير بالذكر أن ألمانيا قادت وساطة لإنجاز عمليات تبادل بين (إسرائيل) وحزب الله اللبناني، كما بذلت جهوداً للوساطة بين حركة حماس والاحتلال للإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير السابق بغزة.
وفي المقابل تكتفي حركة حماس بالتأكيد على ضرورة استجابة حكومة الاحتلال لشرطها بالإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار الذين أعادت اعتقالهم قبيل ولوجها في مفاوضات أي صفقة جديدة.
وكانت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس قد أعلنت عن تمكنها من أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون خلال تصديها لتوغل إسرائيلي شرق غزة خلال عدوان عام 2014، وتتهمها سلطات الاحتلال بأسر ضابط آخر يدعى هدار غولدن خلال اشتباكات شرق رفح جنوب قطاع غزة، فضلاً عن اتهامها بأسر جندي من أصول أثيوبية ضل طريقه عبر البحر إلى القطاع، فيما تلتزم حركة حماس الصمت حيال ذلك.
ويستبعد مختصون في الشأن السياسي و(الإسرائيلي) إمكانية عقد صفقة تبادل بين المقاومة والاحتلال في الوقت الراهن، مشيرين إلى أن حكومة الاحتلال تتهرب من استحقاقات تخفيف القبضة الأمنية على الضفة المحتلة، ورفع الحصار عن غزة، نحو فتح ملف الجنود المفقودين.
جس نبض
ويؤكد الكاتب والمختص في الشأن (الإسرائيلي) أكرم عطا الله، أنه لا يمكن للاحتلال تجاهل هذا الملف طويلاً، مرجحاً خلال حديثه لـ "الرسالة" أن تكون ظروف حكومة الاحتلال الداخلية قد "نضجت"، وأنها تحاول "جس نبض" الطرف الآخر، في إشارة إلى المقاومة بغزة.
ويعتقد أن فتح الاحتلال لملف جنوده المفقودين يأتي في إطار المناورة، لافتاً إلى أنه يحاول في الوقت ذاته الوصول لصيغة تفاهم مبدئية يمكن أن ينطلق من خلالها لعملية تفاوض مع المقاومة.
ويتفق المختص في الشأن (الإسرائيلي) د. حاتم أبو زايدة مع سابقه، مؤكداً أن الاحتلال يحاول أن يحدث خرق في هذا الملف رغم إدراكه أن الطريق طويلة ومتعسرة، لاسيما مع تمسك المقاومة بشروطها لأي عملية تبادل أسرى مٌقبلة.
ويستبعد أبو زايدة في حديثه لـ "الرسالة نت" إبرام أي صفقة تبادل في الوقت الحالي، مرجعاً ذلك إلى عدم رغبة الاحتلال برفع رصيد المقاومة في الشارع الفلسطيني من خلال صفقة تبادل جديدة.
وبالعودة إلى الكاتب عطا الله، فقد أوضح أن طلب الاحتلال من ألمانيا الوساطة يرجع لخبرة الأخيرة في صفقات التبادل، خاصة وأنها كانت حاضرة خلال مفاوضات صفقة الجندي (الإسرائيلي) جلعاد شاليط.
هروب إسرائيلي
وعلى خلاف سابقيه يرى الكاتب والمحلل السياسي د. فايز أبو شمالة أن رئيس حكومة الاحتلال استبق المطالب الألمانية بتخفيف حصار غزة والقبضة الأمنية على مدن الضفة والاستجابة لحل الدولتين مع السلطة، وطلب الوساطة وفتح ملف جنوده المفقودين للهروب من تلك الاستحقاقات.
وأضاف أبو شمالة لـ "الرسالة نت" أن نتنياهو أراد أن يوصل رسالة للمستشارة الألمانية أن حل الدولتين مع الفلسطينيين مستحيل، وأن المطروح فقط تحسين شروط الحياة في قطاع غزة والضفة المحتلة في الفترة المُقبلة.
ولفت إلى أن الاحتلال قد يذهب لصفقة تبادل مع المقاومة في غزة ضمن اتفاق يضمن له استبعاد الحرب مع القطاع، ويضمن الاستقرار ولو بشكل مؤقت في الوقت الراهن.
وبكل الأحوال، فإن الذهاب لأي مفاوضات لتبادل الأسرى لن يكتب لها النجاح، قبل استجابة الاحتلال لشروط المقاومة في قطاع غزة، خاصة وأنها تملك أوراق القوة التي تجبره على ذلك.
جدير بالذكر أن المقاومة الفلسطينية نجحت بتحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني من سجون الاحتلال بينهم المئات ممن أمضوا سنوات طويلة، وذلك خلال صفقة تبادل أطلقت عليها حركة حماس "وفاء الأحرار" وأفرجت بموجبها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في أكتوبر عام 2011.