إذا أخطأ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد!

17
17

غزة- الرسالة

من المصائب التي تنخر في جسد المجتمع أنه إذا أخطأ مواطن ضعيف أو موظف صغير جعلوا منه مجرما ومرتكبا لإحدى الكبائر وأقاموا عليه كل الحدود بينما لو تمادى صاحب الجاه والنفوذ في الإجرام اخترعوا له الأعذار ليبرئوه من جرمه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة" هداية للأمة في مرحلة التيه الحالية، وتفسير لحالة الاستقرار التي ينعم بها الكفار في أوروبا وغيرها، وحالة الفوضى والفتن التي تعيشها أغلب بلاد المسلمين.

ففي بريطانيا (التي هي دولة من دول الاتحاد الأوروبي) اكتشف رجل الأعمال المسلم المصري محمد الفايد أن شركة للنفط كانت تنقب بجوار أرض يملكها وأنها كانت تستخرج نفطا من أرضه منذ عام 2000، فلجأ الرجل للقضاء الذي أنصفه ومنحه الحق في 9% من فوائد عمليات استغلال البئر النفطية، بل منحه حق التعويض عن السنوات الفائتة بمبلغ قدره 7 ملايين جنيه إسترليني.

في نفس التوقيت في إحدى بلاد المسلمين (المتفرقة المتشرذمة المتناحرة) في قضية قتل فيها أكثر من ألف إنسان غرقا في (عبارة الموت) وأتت إدانة مالكها في كل من تقارير لجنة تقصي الحقائق وهيئة السلامة البحرية والطب الشرعي وتحقيقات النيابة، ولجأ الضعفاء المكلومون أقارب الضحايا إلى القضاء الذي حكم بالبراءة!

ليصدق قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" [رواه البخاري].

هذا الحديث يركز الضوء على بعض المبادئ الأساسية اللازمة لاستقرار الحياة البشرية، وحماية النفس والحياة في المجتمع المسلم المحكوم بمنهج الله وشريعته، وحماية النظام العام في المجتمع، وصيانته من الخروج عليه وعلى السلطة التي تقوم عليه بأمر الله، وصيانة المواطنين المسلمين وغير المسلمين ممن يعيش معهم في ظل الشريعة الإسلامية والحكم الإسلامي، بل وحماية المال والملكية الفردية في هذا المجتمع، الذي يقوم نظامه الاجتماعي كله على شريعة الله.

وفي وضوح لا لبس فيه يبين الحديث أن هذه المبادئ التي يترتب عليها استقرار حياة المجتمع وسـلامته، تتركز في منع الشفاعة في الحدود، وترك المحاباة في إقامتها على من وجبت عليه ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر، والإنكار على من رخص أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه الحد.

ولما كانت هذه الأمة عادلة كانت عزيزة، فقد ذكرت كتب التاريخ أنه لما استُخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل "سمرقند" رفعوا إليه أن قتيبة (قائد جيش الفتح الإسلامي) دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فأمر عمر بن عبد العزيز عندها بعقد محكمة للنظر في تلك الشكوى ويكون مقرها سمرقند نفسها، وأقيمت المحكمة وأصدر القاضي المسلم حكما بإخراج المسلمين من سمرقند لأنهم دخلوها ولم يخيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، ليذهل أهل سمرقند من هذا العدل، ولتكون عاقبة هذا العدل الإسلامي دخول أهل سمرقند في دين الله.

ودونكم كتب التاريخ تشهد للمسلمين بالعظمة والمجد لما أقاموا العدل بتحكيم الشرع.

البث المباشر