ليس غريباً أن يسبق المفكرون والمؤرخون السياسيين في طرح أفكارهم، فواقعية الممارسة السياسية وبراغماتية السياسي لا تجبره أن يفكر بصوت عالٍ كما المفكر والمؤرخ، وسبق كثير من المفكرين والمؤرخين الأمريكان السياسيين في مواقفهم من العلاقة الأمريكية الاسرائيلية الذين لم يسلموا في كتاباتهم بارتباط مصالح الولايات المتحدة بوجود (اسرائيل) بل على العكس فقد رأى كثير منهم أن الأخيرة تمثل حجر عثرة أمام مصالح واشنطن وتتسبب في حرج دائم للإدارات الأمريكية المتعاقبة، كما أنهم رفضوا الاستسلام لتأثيرات اللوبي الصهيوني الأمريكي.
وفي أوقات سابقة شعرت الولايات المتحدة أن علاقتها بـ(إسرائيل) تمثل نقطة ضعف لها في حربها على العراق وحسب (استطلاعات رأي) ودراسات، فتلك العلاقة كانت سبباً في تشويه نظرة العالم للولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها، مما دفع بكونداليزا رايس إبان توليها حقيبة الخارجية إلى طلب 16 مليار دولار لتحسين صورة دولتها أمام العالم.
ومثلت قضية العميل اليهودي بولارد نقطة صارخة في الموقف منه واعتقاله 30 عاماً فلم يقبل أي رئيس أمريكي الافراج عنه وأفرج عنه اوباما كجزء من صفقة النووي الايراني دون أن يخرج من أمريكا.
وبدأت الولايات المتحدة تطلب من شخصيات وازنة في اللوبي الصهيوني تحديد ولائهم إما لـ(إسرائيل) أو لبلدهم كما طلبت من جزء منهم الاستقالة من مناصبهم وهناك الكثير من الشخصيات السياسية والأكاديمية تخفي هويتها أو أصولها اليهودية.
وكان ملاحظاً حجم الاحتدام الشخصي بين نتنياهو الذي أحرج اللوبي الصهيوني أكثر من مرة وبين أوباما ووزير خارجيته؛ مما دفع المرشح الأمريكي عن الحزب الجمهوري للإعلان صراحة رفضه دعم اللوبي الصهيوني ونقل السفارة للقدس وهذا لم يحدث من قبل.
ولأول مرة يعلن سفير أمريكا في (اسرائيل) بصراحة عدم رضاه عن أداء الأخيرة تجاه المستوطنين واتهامهم بالإرهاب.
وكتب عضو برلمان اسرائيلي أن الولايات المتحدة غيّرت تحالفاتها من (اسرائيل) والتحالف (السني) الى إيران و(الشيعة).
أما الموقف الأوروبي فيعتبر أكثر تقدماً وشجاعة من الموقف الامريكي في تحول علاقاته مع (إسرائيل) وتبين ذلك من اعترافات برلمانات أوروبية بالدولة الفلسطينية والاتفاقية مع الفاتيكان، كما أن حملات المقاطعة لمنتوجات المستوطنات والمقاطعة الاكاديمية والثقافية للجامعات الاسرائيلية هزت كيان (إسرائيل) وأقلقت المؤرخين الصهاينة قبل السياسيين فيها.
وهناك مواقف أكثر تقدماً في أمريكا اللاتينية ومثال ذلك رفض البرازيل استقبال سفير اسرائيلي من سكان المستوطنات وتغيير العلاقة معها للمستوى الثاني.
كل هذه التصرفات والمواقف تظهر تحرراً من اللوبي الصهيوني وجرأة في المواقف وتقود لموقف عالمي يبتعد تدريجياً عن التعاطف مع (إسرائيل) بل وتعتبرها دول كثيرة (مارقة) ولعل الموقف الدولي من حكومة الفصل العنصري في جنوب افريقيا نهاية القرن الماضي يعتبر الهاجس والنموذج المرعب لدولة الاحتلال اذا تنامت المواقف الرسمية والشعبية المناهضة لها، وهنا يمكن استثمار هذا التحول عربياً وفلسطينياً، وبذل كل جهد سياسي خارجي واستثمار الجاليات العربية والفلسطينية للتأثير على المواقف الأوروبية والعالمية لزيادة عزلة (إسرائيل) وإشعار العالم أن البشرية أفضل بدونها.