يلعب النفط دوراً بالغ الأهمية في الاقتصاد العالمي والعربي بشكل خاص، وينعكس بشكل كبير على السياسات التي تحكم الدول، ومع ذلك فإن الاعتماد عليه لوحده في الدول المنتجة للنفط بدون خطط وبرامج تنموية يؤدي إلى حدوث مشاكل اقتصادية كبرى، ومخاطر جمة قد تنجم في لحظة ما جراء أي مفاجآت غير متوقعة في تراجع كميات الانتاج أو في تغير الأسعار أو في تراجع الطلب عليه نتيجة لبدائل الطاقة التي تعمل بعض الدول على تطويرها.
وشكل النفط في العالم العربي لعنة ونقمة على دوله أكثر من كونه نعمة كان يجب أن يستفاد منه للتطوير والتنمية ورافعة للدور السياسي، ويحدد توزيع النفط معالم الخارطة السياسية في "الشرق الأوسط" الذي يشهد صراعات طاحنة في أكثر من نقطة، ولم يستطع العرب الاستفادة من النفط في معاركهم السياسية والعسكرية سوى ما حصل في حرب 1973 عندما أوقفت السعودية توريد النفط للعالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية الذي شكل صدمة وأدى إلى تخطيط عالمي جديد لعدم تكرار "ابتزاز" العالم بمقدرات النفط العربي.
وبالرغم من الموقف السعودي في حرب 1973 إلا أنها بقيت على علاقة الولاء للولايات المتحدة الذي ظهرت ملامحه بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن اجتمع الرئيس الأمريكي المنتصر مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر سفينة في البحيرات المرة، وأصبح لاحقاً الحفاظ على حكم آل سعود ومصالحهم مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالعلاقات مع الولايات المتحدة وسياساتها في "الشرق الأوسط".
وتواجه الدول العربية المصدرة للنفط حالياً مخاطر اقتصادية لاعتمادها شبه الكلي على موارد النفط وإهمال التنمية، وأثر تراجع أسعاره بشكل كبير على اقتصاديات تلك الدول، فالنفط يخضع عالمياً لسياسة العرض والطلب وتذبذب سعره من حوالي160دولاراً إلى 25 دولاراً للبرميل، وهناك كميات كبيرة من النفط تباع خارج منظمة أوبيك.
وبدا واضحاً تأثير انخفاض أسعار النفط على السعودية التي عانت من حدوث عجز (ظهر هذا العام) في موازنتها والذي أدى إلى بداية رفع الدعم عن الوقود للسيارات رغم انخفاضه في البورصة وذلك لتقليل النفقات.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تبعات سياسية أولها ضعف تأثير دول النفط العربي على القرارات الخاصة في الشرق الأوسط، وقد بدأ الحديث يتوارد حول عجز السعودية عن مواصلة حربها في اليمن أو دعمها للثورة السورية .
تداعيات انخفاض أسعار النفط ستطال أيضاً دولاً مثل السودان التي سيتراجع فيها مسار التنمية والبنية التحتية والذي بدأ يتعافى مؤخراً بعد الاكتشافات النفطية، واحتمالات أخرى أن يتراجع الدعم للسلطة الفلسطينية الذي قد يسبب انهيار ما يسمى بـ(حاجز الأمان) المالي الذي توفره الدول العربية.
تأثيرات انخفاض النفط امتدت لتشمل روسيا اللاعب الجديد القديم في "الشرق الأوسط" وتضررت جدا من انخفاض الأسعار الذي أدى الى انخفاض أسعار العملة الروسية الذي رآه البعض عقاباً لها بموافقة سعودية .
أما المستفيد الأكبر من انخفاض أسعار الوقود فهما أوروبا وتركيا وقد ظهر هذا جلياً في فائض الميزان التجاري في ألمانيا وتركيا.
وعلى أي حال فإن هناك نتائج اقتصادية قريبة لانخفاض أسعار النفط من أبرزها نمو صناعة السيارات لرخص الوقود ،وانخفاض جميع أسعار البتروكيماويات، انخفاض أسعار المواد الغذائية لخروج الزيت الحيوي من المنافسة وزيادة المواد الغذائية التي كانت تحول للوقود.
وتزداد التهديدات التي تواجه الدول المصدرة للنفط لوجود بدائل أخرى قد تشكل في السنوات المقبلة منافساً قوياً للنفط في مجالات الطاقة المختلفة مثل الوقود الحيوي والغاز الطبيعي والصخر الزيتي وبدائل الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح.
وهناك توجه عالمي للتقليل من استخدام الطاقة النفطية لخفض نسبة التلوث البيئي والحفاظ على درجة حرارة الأرض ، ومثال ذلك المشروع الأوروبي المقدر بـ ( 340) مليار دولار لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس جنوب صحراء الجزائر وهذا يبشر بثورة طاقة الشمس النظيفة.
والأهم من ذلك حالياً اكتشافات أحواض الغاز في حوض البحر المتوسط والذي يحدد و يهدد سعر الوحدة الحرارية للطاقة بدل برميل النفط ومن المتوقع أن يصبح سعر الوحدة الحرارية هو السعر الدولي في البورصة العالمية بدل برميل النفط.
وتمتد أحواض الغاز في حوض البحر المتوسط بين شواطئ فلسطين وشمال شرق مصر وقبرص وجنوب لبنان حيث سمحت قبرص اليونانية لـ(إسرائيل) استخراجه من مياهها الاقليمية وبالرغم من الاحتجاج التركي واللبناني على تغول (اسرائيل) لكن ربما يتم التوصل إلى تفاهمات اسرائيلية تركية لبنانية على الحصص وامكانية التصدير لتركيا.
ويرغب صناع القرار في تركيا لتوزيع حصص استيرادها من الغاز على أكثر من دولة وخاصة بعد أزمتها مع روسيا وتهديد الأخيرة لها بوقف تصديره لها كما فعلت مع أوكرانيا.
وفي هذا الإطار تتجه لاستيراد الغاز من (إسرائيل) التي من المتوقع لها أن تصبح من الدول المصدرة له ومن المتحكمين في أسعاره.
وعليه يبدو أن نفط "الشرق الأوسط" سيبقى عاملاً مؤثراً في المصالح الاقتصادية والتعقيدات السياسية ويساهم في رسم الخارطة المستقبلية الجيوسياسية.