قرار الاحتلال الاسرائيلي الصادر قبل أيام بالسماح لسكان قطاع غزة السفر خارج البلاد عبر معبر الكرامة "جسر اللنبي"، تحول في سياسة استمرت عشرين عاما، أي منذ سنة 1997 حينما منعت السلطات الاسرائيلية، سكان مدينة غزة بالسفر والعودة عبر جسر اللنبي على الحدود الأردنية.
وتشترط الوثيقة على مقدم الطلب عدم العودة لمدة عام على الأقل، وأن يحصل على مصادقة الأردن على عبور أراضيها، كما أن السفر إلى المعبر يكون بمجموعات فقط، وبمرافقة عسكرية أو بمرافقة ممثل رسمي عن السلطة الفلسطينية.
مختصون في الشأن السياسي اعتبروا أن القرار الاسرائيلي يأتي خشية انفجار سكان قطاع غزة في ظل الازمة الاقتصادية التي تشتد يوما بعد اخر، بالإضافة إلى محاولة الاحتلال إسقاط عدد من الشباب أمنيا بعدما ضربت الأجهزة الأمنية في غزة شبكة العملاء وأفقدت الاحتلال منظومته الأمنية.
إعادة التطبيع
ويرى المحلل السياسي محمود العجرمي قرار الاحتلال بالسماح لسكان القطاع المغادرة عبر معبر الكرامة، أنه لن يعكس التخفيف عن سكان غزة، مشيرا إلى أن الهدف هو تفريغ القطاع من خلال استغلال الحصار وانعكاساته على حاجات المواطنين الحياتية سواء كانت الطبية أو التعليمية وغيرها.
ووفق رأي العجرمي، فإن الغزيين لن يتعاطوا مع تلك القرارات، كون التجربة مع الاحتلال مريرة وباتت اجراءاتهم وأهدافهم معلومة لديهم، مستذكرا أنه إبان المعارك مع الاحتلال كان معبر رفح مفتوحا ومن كان يدخل القطاع أكثر ممن غادره ووفق الاحصائيات.
من ناحيته يعلق الكاتب السياسي تيسير محيسن على القرار بالقول: "منذ فترة ليست بعيدة يردد الاحتلال الاسرائيلي عبر وسائل الاعلام بتوجهاته لتقديم تسهيلات اضافية لقطاع غزة، الأمر الذي يتوافق مع ضغوط دولية وسياسات المنطقة لاسيما الدور القطري الذي يضغط على الاحتلال ودفعه للسعي وتحقيق الهدوء مع قطاع غزة".
وتابع: "الاستخبارات الاسرائيلية تعلم أن زيادة الضغط على قطاع غزة قد يسبب انفلاتا أمنيا، قد لا تقوى حماس على ضبطه في المستقبل جراء تصاعد الضغط الاقتصادي والحاجة المعيشية للسكان"، لافتا إلى أن "إسرائيل" تسعى لتهدئة جبهة غزة من خلال إحداث حالة من الاستقرار الاقتصادي.
بعض المتابعين يرون أن ذلك القرار له علاقة بالمباحثات التركية الاسرائيلية لإعادة التطبيع بين الطرفين، لاسيما بعدما كان أحد مطالب الاتراك الاساسية تخفيف الحصار عن غزة، وحول ذلك يقول العجرمي:" لا يمكن لتركيا أن تقبل مثل هذا القرار الذي يقيّد حرية تنقل الغزيين وتبعدهم عن مدينتهم عاما كاملا".
في حين، يقول محيسن: "لا يمكن الجزم بأن الدور التركي له علاقة مباشرة مع هذا القرار، لكن دورهم خلال المباحثات بضرورة رفع الحصار بشرط التطبيع، قد يدفع الاحتلال بالتنازل للمطلب التركي من خلال تسهيل سفر المواطنين بغزة".
الاسقاط الأمني
وبحسب الوثيقة التي كشفتها صحيفة "هآرتس" فإن سلطات الاحتلال ستحدد 100 تصريح أسبوعيا بشرط أن يكون السفر أما للعلاج أو الاجتماعات الخاصة وكذلك للدراسات العليا خارج القطاع.
كما تشترط الوثيقة أن يكون مقدم الطلب حاصلا على مصادقة الأردن لعبور أراضيها، وأن يكون السفر إلى المعبر بمجموعات فقط، وبمرافقة عسكرية أو مرافقة ممثل رسمي عن السلطة الفلسطينية.
وفي السياق ذاته، هناك فئات أخرى بحاجة للسفر لكنها تخشى الاعتقال أو الاسقاط الأمني، وفيما يتعلق بذلك، يعقب محيسن قائلا: "الاحتلال الاسرائيلي لا يتورع في ابتكار وسائل جديدة لاختراق الواقع الأمني لسكان القطاع، لاسيما بعدما ضربت حماس شبكة العملاء بغزة مما أفقده الحصول على معلومات فكان لابد من فتح ثغرة من خلال خروج الشباب والمرضى عبر ايرز".
ويتفق العجرمي مع سابقه بالرأي، فهو يرى كل من يعتقد أن العدو سيطارده ويلقي القبض عليه لن يغامر بالسفر، وكذلك من ليس لديه مشكلة لن يقدم على ذلك كون التجربة مع الاحتلال في هذا الاتجاه معلومة لدى الفلسطينيين.
ويؤكد على أن اجراء تسهيل السفر عبر معبر الكرامة، يعد جزءا من سيناريوهات سلطات الاحتلال اتجاه الفلسطينيين، موضحا أنهم يقدمون التسهيلات لإشغال المواطنين عن قضاياهم أو لإسقاطهم في وحل العمالة.