أضاف الإنترنت لنا كنزاً معرفياً وأداة تواصل مفتوحة، فحوَّل العالم لحجرة صغيرة، فقد كسر الجمود وأنهى عقدة المكان وقرَّب البعيد، وفتح أمامنا المجال لنصل بكلمتنا ورأينا لأبعد مدى وهو بهذا قد أعطى فرصةً متساويةً للجميع من غير تمييز، فما كان متوفراً للرؤساء وعِلية القوم وأصحاب المناصب والنفوذ والأموال في العقود الماضية أصبح اليوم متوفراً لكل مواطن بسيط يريد أن يوصل كلمته وفكره وقصته، فالإعلام الجديد يوفر للمستخدم إمكانية بث صوته ورسائله وفكره بالطريقة التي تروق له، فكل إنسان يملك الآن جميع وسائل الاتصالات بسهولة ويسر، وهي فرصة لم تكن لتُمنح قبل الانترنت ومواقع التواصل من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وما إلى ذلك.
مواقع الانترنت سلاح ذو حدين فهي تفتح المجال للاستثمار الفكري والعلمي والثقافي، لمن يملك شيئاً يريد تقديمه ومن وضع هدفاً إيجابياً يسعى لتحقيقه، وفي الوقت نفسه هي مضيعة لمن يبددها في ما لا ينفع من تسكع في الغرف والتنقل ومراقبة الناس والنميمة ونشر الأخبار الكاذبة والتافهة فيجد نفسه في فخ تضييع الوقت والجهد والحياة، لهذا تحول العالم الافتراضي لعالم حقيقي تبرز فيه أسماء وأشخاص فتستطيع التغيير، وتخفت فيه أخرى وتُطوى ويبتلعها حمى الاختلاف وجنون المنافسة.
ويسهل في المواقع الاجتماعية نشر الشائعات والأخبار الكاذبة وتداولها يتم بسهولة وكثافة، وتسهم تلك المواقع في ترسيخ أخبار كاذبة، ويتم استغلال جهل الناس وعدم معرفتهم بآليات وطرق التدقيق الصحفي وكيفية التعامل مع المعلومة وطرق التحقق من صحتها، ولعدم معرفتهم عن الفلسفة التي تقوم عليها هذه المواقع، ولهذا يستلمون كل مقولة وكأنها حقيقة مطلقة ويقومون بترديدها ونشرها بشكل واسع.
فالمواقع الاجتماعية والتقدم الملحوظ في التعامل مع الصوت والصورة "ثورة الميديا" أسقط مقولة لا يوجد دخان من غير نار، فتستطيع أن تصنع دخاناً كثيفاً وخانقاً من غير نار بتلاعبك المتقن بالصوت والصورة، والنشر في المواقع بمهارة وحرفية، لتجد الناس يتلقفون الكذب والتزوير وينشرونه من غير تثبت.
لهذا أنصح بنشر الوعي لدى الشباب والجيل الجديد في آليات التحقق من المعلومات، والتحذير من المسارعة في نشر ما لا يجوز نشره، وعلينا أن نبذل مجهوداً بسيطاً في التأكد والتثبت والتيقن من صحة كل خبر أو معلومة وحتى الصورة والفيديو، ولا نحتاج في ذلك للكتب والمراجع والجامعات، فجوجل يكفيك أو العودة للمصدر المذكور مع تأكيد أن هناك مصادر معلومات تتمتع بمصداقية عالية جداً، وأخرى عبارة عن مواقع للإشاعة والكذب والأخبار المثيرة.
الاحتلال الإسرائيلي يستخدم المواقع الاجتماعية في تصيد المعلومات والتنبؤ برد فعل الجماهير الفلسطينية، كما يقوم بنشر تساؤلات استخباراتية عن المقاومين ونفسياتهم وجدوى الحصار، لهذا نحتاج إلى أن نتحول لجنود الكترونيين وأن نتعلم ونفقه آليات التعامل مع هذا العالم الجديد، لكلا نقع في المصائد الصهيونية التي تحولنا لخدم وعملاء من حيث لا ندري، فالتبرم والشتائم وازدياد الشكوى والتحدث عن الأمور الخاصة والثرثرة عن البطولات والأسماء وكشف ما لا يجوز كشفه كله كنز استخباراتي للاحتلال.
حاجتنا كبيرة لنشر ثقافة الإعلام الجديد وآليات التعامل معه، لنرفع منسوب الوعي والثقافة والقيم ولكي لا نغرق في سلبياته ونقع أسرى إغوائه، ولنحول مجهود شعبنا الكبير نحو رفع الكفاءة القيمية والعلمية والثقافية ولنكون جنوداً افتراضيين في هذا الساحة، لنصبّ في صالح بلدنا ومقاومتنا ومشروعنا التحرري.