كشف الجنرال جدعون ميتشنيك، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في مجلة "إسرائيل ديفينس" العسكرية, تفاصيل جديدة عن اغتيال يحيى عياش القائد المؤسس بالجناح العسكري لحركة حماس في يناير/كانون الثاني 1996، من خلال هاتف محمول، بعد أن تحول إلى المطلوب رقم واحد لإسرائيل.
وأشار ميتشنيك الذي خدم بصفوف المخابرات لمدة 27 عاما، وبعد انتهاء خدمته العسكرية تفرغ للكتابة في التاريخ العسكري لجيش الاحتلال، أن عياش -الذي كان يتخفى في منزل ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة- استنزف من أجهزة الأمن الإسرائيلية جهدا كبيرا في البحث والتحري وجمع المعلومات عنه، منذ أن بدأت مطاردته في الضفة الغربية قبل أربع سنوات من اغتياله.
هذا الحديث يأتي بعد مرور شهرين في يناير/كانون الثاني الماضي على الذكرى السنوية العشرين لاغتياله، كاشفا النقاب أن العقل المدبر للاغتيال هو "آفي ديختر" رئيس القطاع الجنوبي بجهاز الأمن الـ "شاباك" المسؤول عن قطاع غزة، وتم الاتفاق على تنفيذ اغتياله عن بعد من خلال الجو بوضع مواد متفجرة في هاتفه المحمول.
وأوضح ان اغتيال عياش يعتبر من أوائل عمليات التصفية التي قامت بها إسرائيل في سنوات التسعينيات، حيث ترأس الشاباك في حينه كرمي غيلون، بينما كان أول من بدأ بمتابعة ملف عياش رئيس جهاز الشاباك الأسبق يعكوف بيري، في حين أن موشيه يعلون وزير الحرب الحالي ترأس آنذاك جهاز الاستخبارات العسكرية أمان، وتمت التصفية بتعاون الشاباك وأمان وقسم الاستخبارات في الجيش وسلاح الجو.
الأمن الإسرائيلي
تحول عياش مع مرور الوقت إلى المطلوب الأكثر خطورة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية، لكنه نجح مرة أخرى في التخفي عنها، لأنه أدرك أنه موجود على قائمة الاستهداف، وقد جندت المخابرات الإسرائيلية له العديد من الجواسيس لتعقبه، ولذلك لم ينم أكثر من ليلة واحدة في مكان واحد، وقد أوشك جيش الاحتلال في عدة مرات على إلقاء القبض عليه، لكنه كان ينجح في الإفلات.
نجح عياش في الخروج من الضفة والوصول إلى القطاع عبر شاحنة خضراوات، مما جعل رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين يضعه على قائمة الأهداف الأكثر خطورة لإسرائيل، ولذلك باتت صورة عياش معروفة لكل جنود جيش الاحتلال، ومع ذلك فقد نجح في الابتعاد عنهم.
حتى وهو داخل غزة، واصل عياش التخطيط لتنفيذ العمليات ضد إسرائيل، لاسيما الاستشهادية منها، بمساعدة عناصر من حماس، الذين وفروا له احتياجاته، من الدعم اللوجستي وأماكن الاختباء، وهو ما يجعله مسؤولا بصفة شخصية عن مقتل العشرات من الإسرائيليين ومئات المصابين.
الكاتب يتحدث عن وصول الشاباك إلى طرف خيط في ملاحقة عياش، حيث علم أن زوجته وابنه يريدان الانتقال إليه في غزة، فغض الطرف عن وصولهما هناك، حيث عرفت المخابرات الإسرائيلية في مارس/آذار 1995 أنه موجود في بيت لاهيا، لكنه نجح في الغياب عن الرادار الإسرائيلي رغم الجهود التقنية والتنصت على الاتصالات ومراقبة التحركات البشرية، حيث علم الشاباك لاحقا أن زوجة عياش أنجبت ابنها الثاني في غزة.
مكالمة هاتفية
نقطة البداية في تعقب عياش كانت في الوصول إلى أحد زملائه في الدراسة بجامعة بيرزيت، ويدعى أسامة حماد، الذي آوى عياش في بيته، ومن خلال مراقبة بيته، علم الشاباك أن عياش يلتقي بزوجته وأبنائه في شقة صديقه بين حين وآخر، كما اعتاد على إجراء مكالمة هاتفية مع أبيه بالضفة، إلى أن وصلت المخابرات الإسرائيلية إلى النقطة الأكثر قربا لعياش، وهو كمال حماد مقاول أعمال فلسطيني يعمل داخل إسرائيل، حيث تواصلت المخابرات معه وفق سيناريو لم يتوصل إليه مخرجو مدينة هوليود للأفلام السينمائية، على حد وصف الكاتب الإسرائيلي.
الشاباك طلب من المقاول حماد أن يوصل الهاتف المحمول إلى ابن أخته أسامة الذي يأوي عياش في بيته، وبعد أن أجرى فيه عدة مكالمات تجريبية ليطمئن إليه، طلب الشاباك استعادة الجوال، ومرره إلى خبرائه التقنيين، الذين وضعوا فيه خمسين غراما من المتفجرات، وبعد عدة تجارب في استخدام الجوال، قام سلاح الجو الإسرائيلي بتفجيره عن بعد عقب أول كلمة تحدث بها عياش مع والده، ليصبح بعد لحظات من التاريخ.
وينقل عن زوجة عياش اتهامها عقب الاغتيال لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي نقلت معلومات أمنية عن مكان زوجها للمخابرات الإسرائيلية، في حين أقام حماد العميل في إسرائيل، وقد عبر في لقاءات أجريت معه عن خيبة أمله من عدم التزام إسرائيل بالتعهدات التي قدمتها له عقب خدمته لها.
الجنرال ديفيد حاخام مستشار الشؤون العربية السابق بوزارة الحرب وأحد الخبراء الكبار في موضوع حماس، قال إن اغتيال عياش لم يتمكن من استئصال مسيرة العمليات "الانتحارية" التي أسس لها، ولكن من الواضح أن جهود إسرائيل في سياسة الاغتيالات تتعلق بقرار إستراتيجي، وليس مسألة تكتيكية، ولذلك يتم تنفيذها بكل السبل، والتسبب بمفاجآت غير سارة لنشطاء المنظمات المسلحة، وأن يبقوا دائما في أجواء من التهديد، لأن ذلك يشوش مسيرة عملياتهم.