قائد الطوفان قائد الطوفان

الأسير بسام السايح.. روح "المقاوم" في جسد مريض

الأسير بسام السايح..
الأسير بسام السايح..

الضفة المحتلة-لمراسلتنا

سرطانا الدم والعظم، التقيا معا ليجعلا من الأسير بسام السايح (43 عاما)، جسداً منهكا لا يقوى على الحركة، ويستنفدا ما تبقى من قوة سوى ابتسامته المستمدة من روحه المتعلقة بالمقاومة، ليكون بذلك أخطر حالة مرضية داخل سجون الاحتلال.

في بيتها المتواضع الذي لم يهنأ به بسام وزوجته بعد، تجلس السيدة "منى السايح" تقلب جدرانه التي باتت معرضة للهدم بعد إخطارهم من سلطات الاحتلال بذلك، في أعقاب اعتقال زوجها بسام قبل عدة شهور.

تقول السيدة منى لـ "الرسالة نت " إن زوجها يقبع حاليا بسجن مجدو في حالة صحية صعبة جداً، "فقد سمح لي بزيارته قبل نحو أسبوعين، ولم أكن أتوقع أن أجده على هذه الحالة، فقد رفضت إدارة السجن توفير كرسي متحرك له، ما اضطر أحد الأسرى لمساعدته على السير".

وبحالة من الخوف عليه، تتابع السايح قائلة: "ما صعقني أن صوت بسام بدأ يخفت شيئا فشيئا وهو يتحدث معي، وبدأ يكتب ما يريد أن يبلغني به نتيجة ضيق التنفس الذي يعانيه، وحالة القصور بالقلب التي يعاني منها أيضا نتيجة علاجاته الكيماوية لأمراض السرطان".

السايح، التي تعرضت هي الأخرى للاعتقال لدى قوات الاحتلال وأفرج عنها بكفالة لحين إتمام إجراءات المحاكمة، تطالب جميع الجهات والمؤسسات الحقوقية بالضغط على الاحتلال بهدف تأمين العلاج على الأقل، لزوجها بسام، أو نقله لأحد المستشفيات التي يمكن أن توفر له الخدمة العلاجية ومراقبة حالته الصحية.

روح المقاوم

الأسير بسام السايح من مواليد مدينة نابلس، لم تكن هذه أولى تجاربه الاعتقالية لدى الاحتلال، فقد سجل تاريخه النضالي محطات من الصبر والمعاناة، إلا أنها لم تسلب منه "روحه المقاومة التي ترتسم مع كل ابتسامه، وكل كلمة وحركة كان يقوم بها حتى وهو على فراش المرض".

عاش السايح وتربى في أكناف أسرة ملتزمة، فكان لذلك الأثر على شخصيته، ولتنطلق أولى مراحل حياته العلمية بمدارس مدينة نابلس، ثم ليلتحق بعدها بجامعة النجاح الوطنية ويدرس العلوم السياسية والصحافة.

نشط السايح في أكناف الحركة الإسلامية، وكان من بين الفاعلين الذين لا يحبون الركون أو التوقف عن العطاء المتدفق، وبعد تخرجه من الجامعة عمل في مجالات عدة لعدم حصوله على فرص العمل المناسبة بسبب انتمائه السياسي، ومع انطلاقة "صحيفة فلسطين" عمل مديرا لتوزيعها بالضفة الغربية، إلا أن الظروف السياسية الداخلية سرعان ما تصاعدت في أعقاب الانقسام لتغلق الطريق أمامه من جديد، وهو ما دفعه لاستثمار الفرصة والالتحاق مجدداً بجامعة لدراسة الماجستير في برنامج التخطيط والتنمية السياسية.

في العام 1996 خاض السايح أولى تجاربه الاعتقالية، لكنها لم تكن لدى الاحتلال (الإسرائيلي)، وإنما كانت في سجون أجهزة أمن السلطة وتعرض حينها لتعذيب شديد، والعام 1998 اعتقل للمرة الثانية لدى نفس الأجهزة،  ليمضى هذه المرة مدة أطول وصلت لعدة شهور، وفي عام 2001 اعتقلته الأجهزة الأمنية مع رفيق دربه الشهيد محمد الحنبلي.

أما تجاربه مع الاحتلال، فكانت في الاجتياح الأول لمدينة نابلس ضمن عملية "السور الواقي"، حيث اعتقل السايح في العام 2002 ليمضى في الاعتقال الإداري عاما ونصف العام.

عاد الاستهداف من قبل أجهزة السلطة لبسام في العام 2007 في أعقاب الإنقسام السياسي، حيث تعرض للاعتقال على يد الأجهزة الأمنية، لكن هذه المرة فاقت كل التجارب السابقة من حيث تعرضه للتعذيب الشديد لأكثر من شهرين، حتى خرج منها بإصابة في إحدى قدميه أفقدته القدرة على الحركة لعدة شهور.

وفي العام 2008، وبعد أسبوع فقط على زواجه، اعتقل السايح مجددا على يد أجهزة السلطة ليعيش تجربة جديدة من التعذيب على مدار 5 أشهر في سجن الجنيد، وسجن أريحا.

ويأتي العام 2011 ليحمل مزيدا من الألم لبسام، وليعتقل مرة أخرى على يد جهاز الأمن الوقائي ويدخل معركة المعاناة جراء التعذيب، حيث نقل إلى المستشفى، وهذه المرة تبلغ عائلته للحضور للمستشفى لاستلامه على سرير العلاج، وما هي إلا شهور قليلة حتى تدخل مرحلة اكتشاف أول إصابة له بالسرطان في العظم الذي نهش من عظمه الكثير، ولتبدأ معاناة العلاج للجسد النحيل الذي انهكته عذابات سجون السلطة.

شهور قليلة أخرى من رحلة العلاج، حتى يتم اكتشاف إصابته بنوع آخر من السرطان وهو "سرطان الدم النخاعي الحاد"، وهو ما اضطر الأطباء المشرفين على حالته إلى زيادة جرعات العلاج الكيماوي المقدم له؛ ما انعكس بشكل مباشر على عضلة القلب وتتسبب له بقصور حاد، وضمور في الرئتين وصعوبة في التنفس.

كل هذه المعاناة التي مر بها السايح، إلا أن ابتسامته حتى على سرير العلاج لم تكن تفارقه، كيف لا، وهو، كما يصف المقربون منه أن "روح المقاومة" التي تسري في جسده أبقت له الأمل في أن يمنحه الله القوة والقدرة على الحياة في مقاومة الاحتلال.

ففي أعقاب تنفيذ عملية "ايتمار" البطولية، التي نفذتها خلية كتائب القسام بمدينة نابلس في الأول من اكتوبر 2015، والتي كانت الشرارة الأولى لانتفاضة القدس، اعتقل السايح لدى قوات الاحتلال، ليدخل مرحلة من التحقيق، ولتبين أن لائحة الاتهام التي قدمت بحقه هي "توفير التمويل" لعملية "ايتمار" البطولية التي قتل فيها مستوطنان. 

البث المباشر