بين أزقة معسكر خانيونس جنوب قطاع غزة، وألواح "الزينكو" التي تغطي أسقف المنازل، ينعش لحن آلة "العود" منزل عطوة أبو حمّاد (57عاما) آخر صانعي العود في غزة، الذي يصنع آلات الموسيقى في منزله منذ سنوات.
"الرسالة" زارت الرجل في غرفته الصغيرة، التي شهدت صنع عشرات الأعواد، حيث وجد الخمسيني نفسه منغمسا في المهنة التي يعدّها مصدر رزقه منذ أكثر من 3 أعوام، الى أن بات أبو حماد صانعا للعود بالتعلم والتجربة الشخصية.
عدم إدخال آلات موسيقى لغزة، وتشجيع أصدقاء أبو حمّاد دفعه لمحاولة صنع العود، فبدأت محاولاته بصعوبة بالغة؛ لعدم توفر المواد اللازمة لإنتاج الآلة بالمواصفات المعروفة، ونوعية الأخشاب المستخدمة فيها غير متوفرة ما اضطره لاستخدام أخشاب محلية ومعدات بسيطة من منزله، قبل أن يتمكن من صناعة أول عود بعد قرابة 4 أشهر من المحاولات الفاشلة.
وإلى اليوم صنع أبو حماد أكثر من خمسين عودا في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 14 مترا، عمل أخشاب محلية أساسية هي "الزان والماغوني"، لكن الغريب أنه يصنع العود لكن لا يستطيع استخدام الآلة والعزف عليها، إنما يستمتع بصناعتها وسماح ألحان أصدقائه.
ومنعت (إسرائيل) إدخال عشرات المواد إلى قطاع غزة منذ بدء الحصار قبل عشر سنوات، ومؤخرا منعت إدخال الأخشاب إلّا من كميات قليلة للغاية تحت رقابة وفحص شديد، بعد ادعائها أن المقاومة بغزة باتت تستخدم الخشب في تشييد الأنفاق بديلا عن الإسمنت.
ويوضح أبو حماد ويؤيده أصدقاؤه عازفو العود إن غزة حاليا لا يوجد بها من يصنع العود، ويمكن وصفها بأنها مهنة تصارع للبقاء.
"وربما قد شارفت هذه المهنة على الانقراض " يقول أبو حماد، ويضيف: "كان هناك رجل يصنع العود منذ 15 عاما، لكنه توقف، وآخر تقدم به العمر فلا يستطيع العمل". فيما يؤكد الأصدقاء الجالسون على كراسيّ الخشب أنهم لم يجدوا شخصا آخر يصنع العود أو يصلحه غير صديقهم الحديث.
ولم يحبذ أيّ من أبناء عطوة تعلّم المهنة، في حين يبيّن هو كيف تمكن من صناعة أول عود له: "اخذت مقاسات العود عن الانترنت، في حين تعلمت كيفية التصنيع على مدار أشهر من التجربة والفشل المتكرر حتى نجحت بصناعة أول عود"، ومن هنا بدأ الرجل بتجميع الأخشاب ونحتها وصناعة القطع الداخلية الأساسية للعود.
وتصل أسعار بعض القطع الأساسية (الاوتار والمفاتيح) لخمسة أضعاف سعرها الحقيقي لعدم توفرها بالأسواق. ويقول "حاليا أنا عاجز عن صناعة أيّ آلة جديدة لعدم وجود المواد، لكن بإمكاني صيانة بعضها".
ويواجه سكان غزة أزمات لم تنته منذ سنوات، منها انقطاع الكهرباء، ويعاني منها أبو حماد في مهنته، وقد ينتظر 5 أيام قبل الحصول على مفاتيح الأعواد من المنجرة، هذا إضافة لضعف قوة الكهرباء في المنازل. والظروف كلها تهدد فعليا صناعة العود بغزة، وتسويقها المحلي ضعيف نظرا للوضع الاقتصادي الصعب، إذ يصل سعر أفضلها لأكثر من 500 دولار.