قائمة الموقع

مقال: وأشتد العود وكبر

2014-12-11T06:44:27+02:00
بقلم: مصطفى الصواف

ولدت في كانون أول وما أصعب الكوانين وما أبرد طقسها؛ ولكن كان قدّر الله له الميلاد بعد أن أصابها عقم عن الحمل والإنجاب، ويئست بعد طول انقطاع، في الكوانين الميلاد وأنا عجوز قاربت الخمسين عاما أنتظر يومي هذا على أمل أن يكون حملي قبل هذا ولكن قدر الله غالب.

جاء المخاض وأشتد الألم وأخذت الدماء في الجريان، وابتسم! من قسوة الميلاد ولكنني شعرت وكأنني أنا من يولد اليوم رغم أنني من يلد،  ولكن شعرت بسعادة غامرة وكأني ابنة سبعة عشر عاما في عنفوانها وصباها، وجاءت البشرى وكان المولود، نهضت على غير عادة النساء ولحقت بالطبيب حتى أرى المولود، وسُمح لي برؤيته عندها انتابني شعور بأن لهذا المولود شأن كبير، وأنه سيحمل مهاما ثقيلة وقررت عندها أن أعطيه من الرعاية الشيء الكثير حتى يشتد عوده ويقوى ليواجه المستقبل الذي من أجله كان الميلاد.

استغرب من كان حولي من الناس، وعلى وجوههم ارتسم السؤال : ما هذا وهل يمكن لهذا المولود في هذا الزمن وهذا التوقيت وهذه الظروف والأحوال أن تكتب له الحياة؟، حتى من هم الأقرب مني صمتوا كثيرا قبل أن يشاركوني حلمي وميلادي؛ ولكن عندما اشتد عود وليدي وبدا وكأنه أكبر من سنه وتحدا كل الظروف والأحوال أخذوا بالتقرب مني والاقتراب من وليدي والذي سرعان ما كبر واخذ يحرك من حوله وينادي تعالوا هبوا اليوم يومكم لا تترددوا اقبلوا هلموا لنضع أيدينا بعضها ببعض ونمضي بعيدا نحو الأمل الذي من أجله ولدت وبكم أحيا.

نظرت إليه وهو يتحدث بالأمل وبحديث الكبار،  فرحت كثيرا كون سنوات العمر الذي خلت لم تكن هباء منثورا، ولكنها أثمرت ماردا عملاقا تحدى الدنيا بما حوت وكبر وترعرع وأزهر وأينع مع مرور الزمن وإذا به اليوم رغم كل ما حيك من اجل تثبيط الهمة والتآمر عليه لوأده إلا أنه لازال يشع بالأمل وزرعه أينع وثمره نضج وفعله فاق التوقع ودربه لازال وهاجا ونوره فياضا، والعطاء فحدث ولا حرج.

ورغم المكائد بات أكثر إصرارا وتمسكا ومضيا في الطريق التي اختطها وها هو يعيد الجميع إلى طريق الصواب رغم الصعوبات ويشق طريقه ويحقق أمنياته رغم تلاطم الأمواج من حوله وعصفها في وجه ولكنه شق غمار هذا التلاطم وأعاد البناء وواصل المسير ونجح في محطات كثيرة وأخفق في بعضها؛ ولكن كما يقولون (لكل جواد كبوة )، والكبوة لن تطول ونهض بعدها وانطلق كالمارد من جديد وشهد له العدو والحبيب بأنه القادر على التحدي وأن تحديه سيصنع ما يريد وهو يواصل للوصول إلى بر الأمان.

ودعته لأن الوداع بات عنوان المرحلة؛ ولكن كان وداعا بعد أن أدركت أن بنيانه أشد، وعزيمته اصلب، وإرادته أقوى، وأنه بات يعد العدة لما بعد التثبيت إلى مرحلة التمكين والوصول إلى تحقيق الهدف، دعوت الله له بالتوفيق والسداد وعاهدته أن أعود وسأعود بإذن الله تعالى وعندها ستكون لنا كلمة.

اخبار ذات صلة