"هل يموت الانسان مرتين؟"، بهذا التساؤل المفتوح على العدم يبدأ الروائي السوري عبدالله مكسور روايته الأخيرة عائد إلى حلب الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن والتي تعتبر الجزء الثاني للرواية الأولى التي تتحدث عن الأحوال في سوريا عقب آذار 2011 والتي صدرت عن دار فضاءات تحت عنوان (أيام في بابا عمرو).
تساؤلات مفتوحة على كل الاتجاهات تزخر بها الصفحات الأولى للرواية التي تنتقل في الجغرافية والأمكنة كما الموت الذي بات يسكن أطراف البلاد ومداخلها ويخيّم في عروشه على كل بيوتها.
إنه الموت الذي حملته الأيام للسوري الذي بات لاجئاً أو نازحاً أو معدماً أو مقاتلاً أو معتقلاً، بهذه التوصيفات يحاول السوري عبدالله مكسور أن يرسم الحالة السورية على امتداد البلاد التي باتت بين ليلة وضحاها قبراً كبيراً ينتظر ساكنوه فرصة النجاة بأي طريق.
جملة التساؤلات تقود الصحفي – بطل الرواية – العائد مرة أخرى إلى البلاد في رحلة شاقة طويلة لإنجاز فيلم وثائقي عن مجزرة حدثت في مدينة اللطامنة الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة حماة، حيث قصفت طائرات الجيش ومدفعيته السكان الآمنين لتحدث مجزرة مروعة راح ضحيتها المئات، حادثة تستفز بطل الرواية الذي يقرر العودة مرة أخرى برفقة ذواكر رقمية وبعض الأوراق ليسير بمحاذاة الموت الذي بات يحاصره أينما اتجه.
وبرحلة إبداعية رسمها الروائي ونقلها للقارئ متضمنة رائحة الأمكنة وجغرافيتها يحاول مكسور من خلالها تعرية الأخطاء وكشفها وعدم السكوت عنها حتى لو عرّضت حياة بطله للنهاية المحتومة... وفي إحدى زوايا الرواية نقرأ: "إنها قصة حب عنيفة حدّ الموت تلك التي يبنيها الإنسان مع الحياة، فبينهما تتوسع اللذات وتكبر الشهوات، ويصبح الرجل طفلاً يرضع من أمه الدنيا كل ما لذّ وطاب. فكرة الموت هنا تطارد كل من تطأ قدماه هذه الأرض من أي حدود أتى، كيف لك أن تسير بين شهيدين ولا تفكّر في الموت، كيف لك أن تبني أحلامك الوردية ضمن مآذن ترفع كل ساعتين نبأ شهيد جديد، كيف لك أن تسرق من النحلة عسلها لتتذوق طعم السكر في هذا المرار، كيف لك أن تتجاوز كل هذه الحرائق المنتشرة على قارعات الطرقات كما السماء تمتد فوق الأرض، هل يستحق النهار الجديد كل هذه الحرائق؟؟".
يدخل البطل الصحفي في عوالم مجهولة فهو يواجه الوطن كعاشق لم ينس يوماً عيني حبيبته، يرى قصف الطائرات بأم عينيه ويتساءل كيف يكون للنسيان من طريق لذاكرته: "لا شيء يقتل الذاكرة إلا الموت، انتهاء الحب لا يقتل الذاكرة، غضب الوالدين لا يقتل الذاكرة، خسارة الحرب لا تقتل الذاكرة، ترك الوطن إلى المنفى لا يقتل الذاكرة، الزواج لا يقتل كل الإناث التي سكنت الذاكرة، الولادة.. الرياضة.. الطعام.. السفر.. الخيانة.. المؤامرة.. الضحك.. البكاء.. النحيب.. العويل.. الرغبة.. الاشتهاء.. النزوة.. الوهم.. الحقيقة.. الحرية.. السجن.. لا شيء يقتل الذاكرة إلا الموت.."!
عبر أبطال آخرين يسيرون أيضاً برفقة الموت الساكن فوق البلاد يطوف عبدالله مكسور حلب ليدخل أسواقها وحاراتها وضاحياتها ومدارسها التي تحولت مراكز للمقاتلين ومقرات شرعية لمحاكمهم ليهرب بعد ذلك ببطله الصحفي عبر رحلة فانتازية تاريخية من سراديب القلعة الأثرية برفقة نيكولاس الصحفي الأجنبي الذي سيلقى حتفه في نهاية الرواية الموجعة على أيدي ضابط في الجيش.
أورينت نت