وثّق المصور التركي كرم يوجال والصحفي التركي ساردار كوروجو عبر كتابهما "الضيف"، الصادر عن دار جان للفنون التركية، مشاهد لحياة اللاجئين في سوريا اختزلت سنوات من الهروب والبحث عن ملجأ آمن بعيدا عن نيران الحرب.
الكتاب عبارة عن "بورتريه" يستعرض حياة اللاجئين السوريين في تركيا ومعاناتهم من خلال صور بسيطة وهادئة، لكنها تصرخ في وجه العالم بأن "اللجوء ليس جريمة وأن اللاجئ إنسان وليس مجرد رقم يسجل على القوائم".
يوجيل وكوروجو وعلى مدار خمس سنوات زارا أسر لاجئين سوريين يعيشون خارج المخيمات بمدن أنطاكيا وأورفا وغازي عنتاب وكيليس وباطمان وفيران شهير وديار بكر بجنوب تركيا وشرقها.
صور كتاب "الضيف" تحكي عن القهر والأحلام الضائعة والأمل، بينها صورة لاجئة وصلت لتركيا تحمل حقيبة ثياب حفيدها وكيسا به كسرات خبز يابسة جمعتها في طريق الفرار من جحيم الحرب. ورغم استقرارها في بيت بتركيا، لا تزال تخبئ ذلك الكيس لأن ذكريات الجوع الذي عانت منه ترفض مغادرتها.
صورة أخرى لأطفال يحلمون بأن يصبحوا أطباء عندما يكبرون ليعالجوا أمهم التي فقدت بصرها بسبب رصاص قناص.
مشهد آخر لوالدين يتحدثان بحسرة عن ضياع حلم ابنيهما بأن يصبحا مهندسين، فهما الآن يعملان صباحا في مركز تجاري وليلا في الجامعات ليس للدراسة بل للتنظيف.
ورؤية أخرى للمعاناة تنقلها صورة لاجئة تعاني غضب جيرانها الأتراك منها ومن ابنتيها، فهم يتهمونها بأنها أتت للاستجمام بتركيا بينما أبناؤهم يذهبون للقتال بسوريا. ردا على ذلك لم تملك اللاجئة سوى التساؤل "متى كان الهروب من الموت والحرب والعيش كلاجئ استجماما؟".
"علاقتي بهم كانت تقاس بالمسافة التي أقطعها ما بين التقاطي لصورهم والعودة للفندق. ورغم مشقة عملي، كنت دائما أنتهي داخل غرفة دافئة، حمام وكوب قهوة ساخن"، لكن هذه العلاقة أخذت منحى جديدا بفضل طفل سوري لاجئ في العاشرة من عمره، كما حكى يوجيل للجزيرة نت.
ومضى المصور قائلا "ذات يوم ماطر وأنا أصور لاجئين سوريين جاؤوا لأخذ طرود المساعدات الإنسانية المقدمة من إحدى الجمعيات المدنية التركية، لفت انتباهي طفل في العاشرة من عمره يحاول جاهدا جر ثلاثة طرود وضعها فوق كيس من الخيش".
وجد المصور نفسه يضع كاميرته على جنب، وحمل طردين ليقطع طريقا موحلة وطويلة قبل الوصول لخربة يحتمي فيها الطفل السوري مع أسرته اللاجئة.
"كان الأب عند الباب، ورغم محاولاته كبت مشاعره عند رؤية طرود المساعدات، فرت الدموع من عينيه وهو يأخذها مني متمتما بكلمات الشكر بصوت منكسر".
وقتها -يقول يوجيل- " تيقنت أن عملي يجب أن يخرج عن جمود الصورة ليكون صوتا لحكاياتهم المنسية وحزنهم الصامت".
وفق يوجيل، فإن صور الكتاب لا توثق فقط لمرحلة مهمة لمأساة اللجوء السورية، بل تهدف لمواجهة العالم بالحقيقة التي يغمض عينيه عنها، وهي أن هؤلاء اللاجئين هم صورة عن كل واحد منا، فهم "الإنسان والطبيب والمدرس والمهندس، وليسوا ما قيدناهم به من صورة نمطية لأشخاص متسخي الهيئة يبيعون المناديل الورقية ويتسولون في الشوارع أو يحاولون شق طريقهم لتركيا ودول اللجوء في الوحل والوسخ".
وبالنسبة لزميله الصحفي كوروجو فإن لغة "ضيوف تركيا الذين يتجاوزون المليونين" يجب أن تلغى وتبدل بأخرى تتكلم عن اللاجئين كروح وليس كرقم. وقال "إنهم أشخاص كانوا يملكون أسرة وبيتا وأحلاما، لكن الحرب قضت عليها، وحتى ذكرياتهم تمزقت ما بين وطنهم ومحطات اللجوء التي تنقلوا بينها وما زالوا".
وأوضح الصحفي أنه يسعى عبر عمله للفت الانتباه إلى أن ضيوف تركيا السوريين شعب يضرب به المثل في إكرام الضيف، فقد أحسن السوريون ضيافة كل من فرّ إليهم من فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين وأرمن، تقاسموا معهم كل ما يملكون ومنحوهم الأمان، ويحز بأنفسهم أن يلقوا الجحود من العالم بعد أن دارت بهم الأيام ليصبحوا هم الضيف.