قائمة الموقع

رمضان يودع غزة والعيد يشرق على أسواقها باستحياء

2009-09-16T11:54:00+03:00
اسواق غزة تعمر بالمواطنين استعدادا لعيد الفطر المبارك ( تصوير ، مجدي قريقع )

عدنان نصر – الرسالة نت

بدأت بضائع رمضان بالفلول أمام ملامح عيد الفطر السعيد الذي يطل على أسواق مدينة غزة المحاصرة، ففي غمضة عين استبدلها التجار ببضائع العيد التي دخلت حديثا من الأنفاق.

زحمة الأسواق الشديدة، والملابس المستوردة المعلقة أمام المحال التجارية على جانبي شارع عمر المختار توحي بقدوم العيد، رغم الضيق الذي ارتسم على وجوه المواطنين لغلاء الأسعار.

الأضواء الملونة زينت واجهات الكثير من المحال التجارية استقبالا للعيد، وسارعت النسوة على عجل لشراء احتياجاتهن، وملابس أطفالهن قبل أن تشهد الأسواق ذروة زحمتها المعهودة.

""

أفراد الشرطة ببزاتهم الزرقاء تواجدوا في ميدان فلسطين، لتنظيم حركة السير خشية حدوث اختناقات مرورية تثير الفوضى في شارع عمر المختار الذي تطأه أقدام المواطنين من شمال القطاع إلى جنوبه.

وسنحت تلك الفرصة الذهبية لأصحاب البسطات والباعة المتجولين بحجز أماكن حرموا منها في شهر رمضان لترويج بضائعهم قبل انتشار البسطات في محيط الشارع الرئيسي. 

غلاء فاحش

ودفعت موجة الحر الشديد التي ألهبت رؤوس المواطنين الشاب العشريني سفيان مطر للتنقل كثيرا من  مكانه بحثا عن الظل كي يتمكن من بيع قمصان نسائية محلية الصنع يعلقها على كتفيه.

ورغم انخفاض سعر قمصانه، إلا أنها لم تجذب متسوقة، وتمضي على عجل بين جموع المتسوقين علها تجد ما يناسب ذوقها، فيصدح مطر بصوت متقطع لجلب الزبائن إلى مكانه الوارف.

تشرق ابتسامة خفيفة على بشرته السوداء، فأخيرا استجابت سيدة لتلبية ندائه ووقفت لتفحص بضاعته، وحاول مطر بخبرة ضئيلة- لاحترافه تلك المهنة حديثا بسبب البطالة المستشرية في أوصال الغزيين- من إقناع السيدة لشراء ملبوساته، إلا أنه لم يجد سكة أمام حنكتها ومساومتها، فاضطر مغلوبا على أمره لتخفيض خمسة شواقل من سعر القميص  إرضاءً لرغبتها.

دس مطر النقود في جيبه وابتلع حلقه الجاف قائلا لـ" الرسالة": حركة الشراء خفيفة جدا، فالمواطنون يفضلون الشراء بأرخص الأثمان، غير مكترثين لغلاء البضائع، مشيرا الى أنه كان يبيع القميص الواحد بـ 20 شيقل، لكنه تماشى مع ظروف المواطنين السيئة وخفض ثمنه إلى عشرة شواقل.

وللعام الرابع على التوالي تفرض "إسرائيل" حصارا مشددا على مليون ونصف المليون نسمة يعيشون في شريط ساحلي ضيق بمدينة غزة، ما بدد بهجة العيد لدى غالبيتهم نظرا لضيق الحال الذي فرضته الظروف الاقتصادية السيئة.

على بعد بضعة أمتار من مطر وقفت بعض النسوة أمام معرض للملبوسات النسائية الجاهزة يتأملن بشغف المعروضات التي تزين واجهته، وما أن مدت إحداهن يدها لتأمل فستان مزركش اللون حتى قاطعها صاحب المتجر مقسما بجودة ملابسه التي جلبها من الأنفاق.

غلاء الأسعار دفع النسوة لمغادرة المعرض تاركات صاحبه في حيرة من أمره يضرب أخماس في أسداس لندرة الشراء ، مشيرا إلى أنه لم يتوقع تلك الحركة الشرائية، فالناس تأتي للسوق للمشاهدة فقط ، والسؤال دون الشراء فهم لا يملكون من النقود ما يفيض عن تلبية احتياجاتهم الأساسية لشراء الملابس الجديدة- على حد قوله.

ويعزو التاجر أبو خليل هروب الزبائن من متجره؛ إلى تضارب الأسعار على الملبوسات التي يفرضها تجار الأنفاق بين الفينة والأخرى، فبضائع العيد الموجودة لديه كلفته مبلغا خياليا، في حين أن غيره من التجار دفع أموال أقل لمالكي الأنفاق.

ولا يعول أبو خليل كثيرا على تحقيق أرباح معقولة لهذا الموسم، فظروف المواطنين السيئة لم تبشر بخير- حسبما يذكر.

بهجة مكبوتة

ويفتتح أصحاب المحال التجارية أبوابهم أمام المتسوقين حتى ساعات متأخرة من منتصف الليل وتبقى البسطات التي تمتلئ بألعاب الأطفال ، والملابس تفترش الأرض، ليعم المكان أصوات الألعاب النارية التي تتلاقى مع حناجر الباعة .

ووسط تلك الزحمة حاولت سيدة في الأربعين من عمرها شراء ملابس لطفلها الذي لم يتجاوز الخمسة الأعوام، لكن غلاء الأسعار دفعها للتنقل من محل لآخر، فيما تعالت توسلات طفلها لشراء لعبة العيد قبل كل شيء ، إلا أنها انتهت ببكاء حار بعد وعود لاحقة بالشراء.""

ويشير المواطن سعيد رحمي (50 عاما) إلى أن  بهجة العيد مكبوتة في قلوب المواطنين، بسبب الضائقة المالية التي مرت مصطحبة ثلاثة مواسم متزامنة في إشارة "لبدء العام الدراسي، وشهر رمضان, والعيد".

ورغم ذلك فهو لا يملك مفرا أمام أسعار الملابس الباهظة لرسم البسمة على وجوه أولاده ، مشيرا إلى أن الأطفال هم الأكثر ابتهاجا بقدوم العيد ولا يمكن حرمانهم من تلك الفرحة.

ويقول المواطن أبو يحيى اللوح (30 عاما) واصفا زحمة الأسواق: تمر بالمحال التجارية فلا تجد إلا من يسأل، دون أن يكلف نفسه عناء الشراء، فأوضاع الناس الاقتصادية باتت في وضع يرثى له، ويضيف : إن فكرت في الشراء فكل شيء مرتفع الثمن، وان وجد فلا يلبي رغبتك ، وكثير من الناس يضطرون لشراء أي شيء في محاولة لإسعاد أبنائهم بعيد الفطر.

ويعتقد اللوح أن عيد الفطر لن يكون سعيدا هذا العام، فمئات العائلات الغزية فقدت أحبتها في الحرب الأخيرة، ما يجعلها في حالة ولع وحسرة لن تفلح أجواء العيد بمسح شيئ من أحزانها.

المتجول في سوق المدينة يلاحظ ندرة شوكلاتة العيد الأجنبية على البسطات، فالأصناف الموجودة محدودة وباهظة الثمن لا تغري المواطنين بشرائها.

ويشير التاجر وائل لافي (37 عاما) إلى أن  أسعار حلويات العيد شهدت ارتفاعا ملحوظا هذا العام، فسعر كيلو الشوكلاتة الأجنبية يتراوح بين 80 و 100 شيقل، أما الشوكلاتة العادية التي كان ثمن الكيلو الواحد منها بعشرة شواقل فقد ارتفعت إلى 35 شيقلا، ما يحرم الكثيرين من شرائها بسبب هذا الغلاء.

واستاء أصحاب البسطات والمحلات التجارية الذين يزودهم لافي بحلويات العيد، فارتفاع الأسعار أربكهم في البداية، إلا أنهم لم يجدوا حيلة من الشراء علهم يعوضون أرباحا تنسيهم ذلك الأمر.

واعتاد لافي في كل عيد أن يبيع أربعة أطنان من الشوكلاتة  لكن هذه الأيام لم يتسن له سوى بيع طن واحد، فأصحاب البسطات الذين كانوا يملئون بسطاتهم بمختلف الأصناف من الحلويات مقابل ثلاثة آلاف شيقل استطاعوا شراء بضعة علب كرتونية لا تتجاوز كفة اليد بهذا المبلغ.

يكابد الغزيون القهر والحرمان مع قدوم العيد، فالأوضاع المريرة التي نسجتها صنارة الحصار الطويلة على حياتهم البائسة لم تبق فلسا واحدا في جيوبهم الخاوية يكسو أطفالهم بثوب زاه يقصي ثوب الحصار الأسود.

 

اخبار ذات صلة