قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: مولات ومتسولون

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

وسام عفيفة

أنجب الحصار مفارقة غريبة نمت خلال العامين الأخيرين بملامح اقتصادية عجيبة مضمونها أنه كلما طال عمر الحصار على غزة واشتد في بعض جوانبه توسعت مشاريع استهلاكية من مطاعم ومولات بشكل مطّرد في أنماط استثمارية تتعارض مع أبجديات النظريات الاقتصادية.

أنماط تترافق مع نماذج لتحولات في المجتمع الغزي مثل انتشار عادات غذائية جديدة بنظام "التيك اوي" "takeaway" و "الديلفري" delevry"، وهي ظاهرة تحمل علامة فارقة بأن المطبخ المنزلي لم يعد المصدر الرئيس للأفواه والبطون، وان تغيرا قد طرأ على أبرز مهام الزوجة وقد اقتصر دورها على متابعة ورصد "قوائم الطعام" "Menu" في المطاعم.

التحولات الاستهلاكية خلقت مرونة في حركة الأيدي نحو القروض، بينما أصبحت أيدي المستثمرين أكثر خفة في الوصول إلى جيوب المواطنين، من خلال مشاريع استهلاكية كالمولات حيث تضعف قدرة المواطن في السيطرة على جيبه أمام إغراءات تشكيلات وعروض تسويقية وبضائع تزين الارفف، تداعب رغبات مدمني" الشوبنج" ""Shopping

كما دخلت الآليات المصرفية على الخط، حيث تنمو ثقافة "الايزي لايف" والكاش كارد" البنكية، لتحفز أساليب الشراء بوسائل سهلة ومريحة ومستنزفة في نفس الوقت.

لكن خلف المطاعم والمولات الكبيرة تختفي أيضا أزقة تضم عوائل مستورة، تنمو فيها شريحة أصحاب العين البصيرة والأيدي القصيرة.

وفي تفاصيل المشهد تبرز ظاهرة التسول كمهنة لا يخلو مكان من ممتهنيها بوسائل وأساليب مستحدثة، لتتشكل بداية طبقية مجتمعية فرضها اقتصاد الحصار، إلى جانب عوامل النحت والتعرية التي أصابت مصادر الدخل منذ توقف العمالة في "إسرائيل"، منذ عام 2000 وصولا إلى أزمة آلاف الموظفين المحسوبين على حكومة غزة ويتقاضون مكافآت جزئية تحت الحساب، بالإضافة إلى شريحة البطالة المتنامية.

الصورة الطاغية في مجتمعنا باتت تركز على ازدحام أمام المطاعم، وسيدات يدفعن عربات التسوق في المولات، ودراجات نارية تنطلق في الشوارع تنقل الطلبيات، فيما تتلاشى صورة الأمهات والجدات وهن يقمن بأعمال العجين والخبيز المنزلية، أو تجفيف الملوخية، وتحضير أقراص الكشك.

قد تبدو الصورة الاستهلاكية والاستثمارية اليوم إشارة إلى نمو اقتصادي، وقد تكون هذه الصورة خادعة.

البث المباشر