رواية "الأرض الحائرة".. حيرة الزمان والمكان

راوية الارض الحائرة
راوية الارض الحائرة

وكالات- الرسالة نت

منذ الصفحات الأولى يجد قارئ رواية "الأرض الحائرة" نفسه أمام عناد وسوء طالع وجفاء بين بطلها "هاشم" ومحيطه، حتى "تحولت الأصوات المحيطة به إلى ما يشبه السوق العامة التي ينادي فيها الجميع على الجميع ولا يسمع أحد أحدا".

وكأن مؤلف الرواية -الزميل المحرر في الجزيرة نت أحمد حافظ- قرر عن سبق الإصرار أن يبدأ القارئ هذه الرواية حائرا، وتستمر معه هذه الحيرة إلى آخر صفحة، ليخرج منها في النهاية حائرا بين سؤالين: هل هذه الرواية تصوير للواقع الذي تعيشه الكثير من بلادنا بعد الربيع العربي؟ أم هروب من هذ الواقع وتجريد للأحداث وابتعاد بها عن أي زمان أو مكان؟

تأريخ مجرد

مؤلف الرواية نفسه يشير إلى شيء من ذلك عندما يعرفها في ظهر الغلاف بأنها "إسهام روائي للتأريخ لحقبة معاصرة واستقراء لأحداث ما زالت تمارس سلطتها علينا منذ أزمان بعيدة، وربما تستمر في فضاء الزمن القادم عبر رصد واقع التشظي ليس في الوطن الكبير فحسب بل في كل قطر منه أيضا".

فأنت لا تجد في هذه الرواية -التي تقع في نحو مئتي صفحة ونشرها موقع "إي كتب" في بريطانيا- ذكرا لمكان باسمه وموقعه أو أي شيء مما يمكن أن يحيل على رقعة جغرافية محددة، والأماكن ترد فيها بصيغة ما يمكن أن نسميه "المعرف مبنى والنكرة معنى"، فهي إما "الوطن"، أو "الجزء المحتل من الوطن"، أو "الشطر الآخر من الوطن"، أو "الضفة الأخرى"، أو "الإقليم"، أو "الأرض"، أو "الشارع"، إلى غير ذلك من الأماكن التي يمكن أن تكون أي مكان.

التأريخ الذي يتحدث عنه المؤلف مجرد عن الزمان والمكان، فالرواية لا تحمل في طياتها ما يمكن أن يطبعها بحقبة تاريخية محددة أو يحصرها في رقعة جغرافية خاصة، وأحداثها يمكن أن تصلح للقرن الماضي كما القرن المقبل، ويمكن أن تقع على أي "وطن".

شخصيات الرواية بدورها، وباستثناء أبطالها الأربعة "هاشم" و"سالم" و"جاسم" و"أمل"، شخصيات مجهولة لن تجد لها من الأسماء إلا صفات مثل "الجنرال"، "الرئيس"، "الضابط" أو "الضباط"، "الجندي" أو "الجنود"، "المتطوع" أو "المتطوعون"، بل إن بعضها بالغ المؤلف في اختزاله في مجرد صوت، فتجد في مقاطع من الرواية أنه يعطي الكلمة أثناء الحوار لـ"الصوت 1"، أو "الصوت 2" أو "الصوت 3".

البطلة "أمل" تحمل في قصتها داخل الرواية أيضا حيرة تبدأ من اسمها، فهي تشكل لـ"هاشم" ذلك الأمل الذي سبب له كثيرا من الألم، حيث تصفها الرواية في أول ظهور لها ومنذ وقع نظره عليها بأنها "من ذلك النوع الذي يجذب النظر بلا سبب يمكن تبريره، ورؤيتها يظل أثرها في النفس وتبقى عالقة في الذاكرة مع الأيام دون سبب".

وهي أيضا ذلك الأمل الذي لا يظهر إلا في لحظات الحيرة والحلكة، وسرعان ما يختفي من دون إشعار، حتى إن الرواية في إحدى لحظات هذا الاختفاء المتكرر بعد ظهور وجيز، تصف حالة "هاشم" بأنه "أضاع أملا أوشك أن تنبت بذرته في صحراء قلبه القاحلة".

وهو الضياع نفسه الذي يعترف المؤلف بأن روايته تحويه، حيث يقول على غلافها إنها "شجيرة من صفاء المشاعر الإنسانية نبتت وسط صحراء فساد بعض الطغم الحاكمة، حتى صارت شجرة سامقة ظلالها وارفة تطهر كل خيبات الأمل وانكسار الذات وخفوت ضوء انتصار الحق".

الجزيرة نت

البث المباشر