( ذِكْرى المعراج والإسراء بُشْرى تطهير الأقصى وفلسطين من الصهاينة والعُملاء )
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى . لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (
النجم (17، 18)
من المعلوم أن معجزة الإسراء والمعراج قد حدثتْ في أحلك ظرفٍ سياسيٍّ مَرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام؛ حتى إنه لَيُعرفُ بعام الحزن؛ فقدْ فَقَدَ عليه الصلاة والسلام حماية عمِّه أبي طالب بموته، وكان مَثَلُهُ في ذلك مَثَلَ أخيه شعيب؛ إذْ قال له قومه:
" وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ " هود (91)
ومن هنا فقد هَمَّتْ به قريش ليأخذوه من بعد أن جادلوا بالباطل؛ ليدحضوا به الحق، كما تُوفيت فيه زوجُه خديجةُ التي كانت تُواسيه مما يلاقيه من عَنَتِ أقرب الناس إليه-رضي الله عنها وعن آل بيته الطاهرين-.
هذا وقد مضى على المسجد الأقصى في حينه قريبٌ من سبعة قرون وهو أسير في أيدي الاحتلال الروماني، فكان الإسراء إليه؛ وهو معراج السماء، إيذاناً بتحريره، خاصة وقد اجتمع فيه النبيون والمرسلون، فبايعوا نبيَّنا عليه الصلاة والسلام وفاءً بعهد الله الذي أخذه عليهم عند مبعث كلِّ واحدٍ منهم، وقد أقروا بذلك، فقال لهم الله: " فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ " آل عمران (81)، وكان ربُّنا تبارك وتعالى قد أمره أن ينتهز تلك الجمهرة من النبيين من ذرية آدمَ، وممن حمل مع نوحٍ، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، فيسألهم عمَّا إذا كان في دين أيٍّ منهم اتخاذُ آلهةٍ من دون الله يُعبَدون؛ كما في سورة الزخرف (45)، فما كان جوابه إلا أن قال: (لا أسأل ولا أشكُّ)، وتحقَّق بذلك ما وعد ربُّه بأن يلتقي بأخيه موسى عليهما الصلاة والسلام، كما في الآية (23) من سورة السجدة، وقد كانت هذه إرهاصاتِ وقوع هذه المعجزة العظيمة.
أما عن الحكمة من رؤية تلك الآيات الكبرى؛ فإن الانتقال بالإسلام من الدعوة إلى الدولة يحتاج إلى الارتقاء في أنباء الغيب؛ من علم اليقين إلى عين اليقين، وهو يرى ملكوت السماوات والأرض، فيقطع السموات السبع، ويجد عدداً من المرسلين قد رفعهم الله مكاناً عَلِيَّاً، وجعل منهم في كل سماءٍ مثنى وفرادى، حتى إذا بلغ السابعة فإذا فيها البيت المعمور، وإذا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام أبي الأنبياء قد أسند ظهره إليه وهو ينظر إلى سبعين ألف مَلَكٍ يطوفون به في كلِّ يوم، ولا يعودون إلى يوم القيامة.
ثم تقدم إلى سدرة المنتهى، فإذا بالخلائق التي تغشاها يعجز اللسان عن التعبير عن سحرها، وخاصة عندما سطع نور ربِّنا عليها؛ ليكلِّم عبده تكليماً، فيعطيه بذلك معجزة أخيه موسى عليه السلام، فقد اصطفاه ربُّه على الناس برسالاته وبكلامه، وما كذب فؤاده ما رأى، كما لم يَزغْ بصره وما طغى، وكان قد رأى جبريل عليه السلام مستوياً على هيئته الأولى بأجنحته الستمائة يَسُدُّ الأفق، كما رأى الجنة وبعض نعيمها، ورأى النار، وأصنافاً من جحيمها، وخاصة من اقترف بعض الموبقات السبع، كما حمل الصلاة هدية للمؤمنين لمن رام العروج بروحه إلى رب العالمين.
ولنا أن نتخيل كم كان حجم الأرض وهو ينظر إليها تَصْغُرُ في عينه كلما ارتفع إلى الأفق الأعلى؟!، إنها ليست إلَّا كأصغر نجمٍ غائرٍ في جَوِّ السماء، فكم هو حجم مكة فيها أو الجزيرة؟!، إنها لا تعدو ذرة هباء في كون الله وملكه الكبير، ثم مَنْ هم كفرة قريش، ومشركو ثقيف، ومن معهم من الأحلاف والقبائل أمام الملائكة أو الزبانية؟!، وما هو نعيم الأرض والدنيا حين يقاس بالجنة التي لا يخطر معظم نعيمها على قلب بشر؟!، وهل يعقل لمن رآها، أو أيقن بها، أن يَثَّاقلَ إلى الأرض رضاً بالحياة الدنيا بديلاً عنها، أم يكون من الذين شَرَوْا أنفسهم وأموالهم لله، بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فَيَقْتُلُون ويُقْتَلون؟!.
ما أشبه حكمة الإسراء والمعراج والتسلُّحَ بها بما قاله ربُّنا تبارك وتعالى لسيدنا موسى عليه السلام: " لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى . اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " سورة طه (23، 24)، وكيف يمكن لرجلٍ مطلوبٍ رأسُه لفرعون الذي استضعف بني إسرائيل، وسامهم سُوءَ العذاب، فَقَتَّل أبناءهم واستحيى نساءهم، أن يقف أمامه؛ ليدعوه إلى التخلي عن ملكه وغروره، وأن يسمح لبني إسرائيل أن ينالوا حريتهم، فيختاروا بين الإقامة والرحيل؛ لولا أن يكون قد تَعَبَّأَ باليقين أنه الأعلى والأقوى برؤيته من آيات ربِّه الكبرى؟!!.
ومن عجبٍ أن تَطْوِيَ سورة الإسراء تلك الرحلة في آيةٍ واحدة، ثم تشرع في إخبارنا من نبأ سيدنا موسى وبني إسرائيل، أولئك المنحدرون من ذرية سيدنا نوحٍ المؤمنين، ولكنهم جحدوا ذلك النسب، وأمسَوْا كما لو كانوا من ذرية ولده الذي كان في مَعْزِلٍ من أبيه، وأبى أن يركب معه في السفينة، فكان من المغرقين، وانقطع بذلك شرف انتسابه إلى نوحٍ عليه السلام؛ مصداقاً لقوله عز وجل: " قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ .." هود (46).
ولذلك فقد أخبرتنا السورة عن إفسادهم في المسجد الأقصى والأرض المباركة مرتين، وأنهم سَيَعْلُون عُلُوَّاً كبيراً، ولما كان من سنته جل وعلا أن يقصم القرى إذا فسق مترفوها، وأن يدمِّرها تدميراً؛ فقد شاء عزَّ وجل لفلسطين المباركة للعالمين أن تكون مقبرةً جماعيةً لبني إسرائيل، وهم شَرُّ الدوابِّ عند الله؛ بأن يبعث عليهم عباداً له أُولي بأسٍ شديد، فريقاً يقتلون، ويأسرون فريقاً؛ حين يجوسون خلال ديارهم، ويذرونها خاويةً على عروشها، هذا في المرة الأُولى، وأما في الثانية أو الآخرة -بتعبير السورة- فسوف يكون القضاء على إفسادهم في ثلاث مراحل، أوُلاها أن نسوء وجوههم بالكبت والانقلاب خائبين، والثانية أن نزحف عليهم حتى ننتزع المسجد الأقصى منهم، فندخله كما دخلوه أول مرة، والأخيرة أن نتمكن من تتبير كلِّ مظاهر عُلُوِّهم وسلطانهم؛ ليكون أثراً بعد عين، ولن تقوم لهم قائمة بعدها حتى تقوم الساعة، فسوف يهزم الجمع، ويولون الدبر؛ بل الساعة موعدهم، والساعةُ أدهى وأمرُّ.
ومن المرجح أننا قد أسأنا وجوههم بعجزهم عن تحقيق أهداف العدوان ثلاث مراتٍ؛ من قبل صفقة وفاء الأحرار، وحين راحوا يثأرون لها في حجارة السجيل، ومن بعد ذلك في العصف المأكول، وإن انتفاضة القدس ستفضي قريباً -بعون الله ومشيئته- إلى كنسهم من الضفة الغربية والقدس، وأما التتبير الكبير فسوف يكون باشتعال الساحات المحيطة بفلسطين، بعد إسقاط العملاء في المنطقة العربية والإسلامية، وبالأخصِّ في الدول المطوِّقة لفلسطين، وعسى أن يكون في بضع سنين، وما ذلك بعزيز على الله القويِّ المَتين.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
1
2