محمد أحمد عوض
أمين عام مجلس الوزراء الفلسطيني
لا يخفى على أحد دور السيد عبد الباري عطوان في دعم القضية الفلسطينية ومشاريع التحرر الوطني، ومواقفه المتكررة المنحازة لأهله وشعبه الفلسطيني في قضاياه المختلفة، وقوة رأيه في المسائل، وصدحه بالحق ولو كان على حساب نفسه، وإنما يعبر ذلك عن أصالة وصدق الانتماء، والهمة العالية، وهكذا هم الرجال.
كما أن له جذور متأصلة في مدينة رفح العزيزة على قلوبنا – فلقد نشأنا وترعرعنا فيها، وهي مدينة الصمود والتضحيات، وبوابة قطاع غزة المحاصر على الأمة العربية والإسلامية.
أخي الأستاذ عبد الباري عطوان، لقد قرأنا مقالكم على الشبكة العنكبوتية، وعجبنا لما ورد فيه من انسياق كامل لبعض الوسائل الإعلامية التي تتحدث بلغة ألوان عديدة، بعيدة عن الصورة الكاملة، مركزة على نصف الكوب الفارغ.
ولعلك تفتح قلبك وعقلك لنا قليلاً لنوضح لك الصورة كاملة في شرح موجز لتداعيات ما تناوله الإعلام مؤخراً حول إقدام الحكومة على إزالة التعديات على الأراضي الحكومية في منطقة رفح، وكذلك ما تضمنه مقالكم من إدعاء هدم قوات أمن حركة حماس مسجد ابن تيمية برفح وقتل عشرين ممن كان يحتمون فيه خلف إمامهم.
لنضع أنفسنا لحظة أمام المعطيات الصعبة والمعقدة والتي تشكلت لأجلها العديد من ورش العمل واللجان الوزارية والحكومية المختلفة وكثير من الدراسات المتخصصة التي وضعت على سلم أولوياتها حاجة المواطن الفلسطيني الذي يعاني الأمرين من الاحتلال البغيض والحصار الظالم الذي تنام عنه أعين الكثيرين لمدة تزيد عن (4 أعوام).
نضعكم في صورة سريعة للوضع القائم، بالأرقام والمعطيات، حتى تكتمل الصورة لديكم، حيث تبلغ مساحة الأراضي الحكومية في قطاع غزة المسجلة في الطابو (110,000 دونم تقريبا) أي ما نسبته (31,1%) من أراضي قطاع غزة، ويجدر ذكره أن مساحة التعديات على الأراضي الحكومية (12,000 دونم تقريباً) منها ما هو تعديات زراعية (11,200 دونم)، وآخر تعديات سكنية (800 دونم)، وتقدر نسبة التعديات ما يقارب (11%) من إجمالي الأراضي الحكومية في قطاع غزة، فيما تبلغ نسبة التعديات على الأراضي الحكومية في منطقة رفح وحدها 3650 دونما (3600 دونم زراعي، 50 دونما سكنيا)، أي ما يقارب 30% من إجمالي التعديات في قطاع غزة.
لقد تعاملت الحكومة الفلسطينية باهتمام بالغ مع موضوع التعديات على الأراضي الحكومية، وتناولت جميع أبعاده الاجتماعية والقانونية والشرعية، مع النظر لخصوصية الوضع الفلسطيني والأراضي الفلسطينية، إلا أنه وللأسف الشديد أبت مجموعة من المواطنين إلا أن تسلك هذا الطريق محملة تجاوزاتها على شماعة الحروب والأضرار والمعاناة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني على مر الأيام والسنين، ملقيةً خلف ظهرها الإخطارات الحكومية المتكررة، وحق الأجيال القادمة في ثروة الوطن الإستراتيجية.
إن أعجب ما يُمكن أن يذكر في هذا الإطار أن جزءاً من الأراضي الحكومية بات يُباع ويُشترى بعقود بين طرفين ثم تتناقل الملكية غير الشرعية من مواطن لآخر في سلسلة غير منتهية، حتى أصبح سعر الدونم الواحد في بعض المناطق للأرض الحكومية ما يزيد عن (15,000 دولار)، بعد أن بدأ بعضها بالمجان، والبعض الآخر بألف دولار.
وتتسع الدائرة الشائكة يوماً بعد يوم، ويأخذ تجار الحروب والسماسرة دورهم في هذا المضمار، في صفعة حادة لأسس ومقومات الحكم والإدارة، وقدرة الحكومة على القيام بواجباتها والوقوف أمام مسؤولياتها اتجاه حق الأجيال القادمة، وحفظ البنية التحتية من الانهيار، ومخزون المياه الجوفي، والتنظيم الحضري، والتهاون في المال العام، وسياسة فرض الأمر الواقع، ليصبح قطاع غزة من العشوائيات، وهذا ما لا تقبله الحكومة الفلسطينية أصلاً ولا فرعاً، ولا يقبله أي غيور على مقدرات الشعب الفلسطيني.
وكما نعلم بأن كثيراً من المتعدين يملكون مأوى آخر سواءً شقة سكنية أو قطعة أرض خاصة، فإننا نجزم بأنه من بين هؤلاء من هو معدوم الحال ومن تقطعت به السبل، فليست الحكومة بعيدة عن هموم أهلها وشعبها، ولقد أعددنا لهذا الأمر عدته، وميادين البحث الاجتماعي طالت هذه الفئة، سعياً من الحكومة لتخطي وتجاوز خصوصية مشكلتهم بالسبل المتاحة، بعيدا عن علاج الأمر برمته للصالح والطالح، ولقد خصصت الحكومة لوكالة الغوث على سبيل المثال ما مساحته 2214.7 دونم لأجل مشاريع الإسكان، كما وخصصت الحكومة مؤخراً 1200 دونم لمشاريع إسكانية تدعم حاجات المواطنين، منها 800 دونم في جنوب قطاع غزة، و 400 دونم في شمال القطاع، ( مجموع ما خصصته الحكومة للإسكان 3414 دونما تقريباً بينما التعديات السكنية لا تتجاوز 800 دونم ).
نؤكد أننا بحاجة إلى جهود كل المخلصين أمثالكم لدفع عجلة المشروع الإسلامي المقاوم، والذي لا يرفع الشعارات المناهضة للاحتلال والعدوان فقط، إنما يسير بمشروع الإصلاح والتغيير الحقيقي، وفرض الأمن والنظام وحفظ الحقوق والممتلكات، وأنتم تعلمون الإرث التخبطي العظيم الذي خلفته التجاوزات الإدارية والمالية والقانونية فيما سبق، فيما يمكن أن نسميه بالفوضى العارمة.
أعود وألفت انتباه حضرتكم بأن بعض التعديات وصلت إلى مرافق هامة وحيوية مثل حرم السكة الحديد والميناء والطرق الرئيسية والهيكلية، ما يضع الأمر في سلم أولويات العمل الحكومي حفاظاً على منع كرة الثلج المتدحرجة من المضي في طريقها، ولذلك كان ذلك التوقيت الذي اعترضتم عليه في مقالكم، بعدما اتخذت الحكومة كافة إجراءاتها القانونية والإدارية السليمة، مع ضرورة أن نشير أن الحملة الأخيرة التي أخذت بعداً كبيراً في الإعلام كانت على النحو التالي:
إزالة تعديات بعد استنفاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية لـ:
1. مباني عادية دور أرضي بسقف باطون عدد 4 (ثلاثة منها سمك السقف (10سم)).
2. اسبست عدد (6).
3. مباني طينية أرضي عدد (2) .
4. أقواس حمامات زراعية عدد (3).
5. أحواش شبك عدد (11) أحدها به غرفة زينكو.
6. يوجد عدد 4 منازل مسكونة فقط.
وإننا إذ نضعكم في صورة الأرقام لنبين لكم حجم الهجمة الإعلامية التي تتلقاها الحكومة من خصومها الحريصين على تشويه الموقف ونزعه من أبعاده وجوانبه المختلفة.
ويجدر ذكره في هذا المقام ما قام به سيدنا عمر بن الخطاب في زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في حادثة عيينة بن حصن والأقرع بن حابس عندما أقطعهما الخليفة أبا بكر أرض ليس فيها نخل ولا منفعة، ليحرثاها ويزرعاها لعل الله ينفع بها بعد اليوم، وأشهد أبو بكر في ذلك عمر بن الخطاب، وعمر ليس في القوم، وعندما سمع عمر ما في الكتاب جاء إلى الخليفة وقال له أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أرض لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة، وما حملك على أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين، قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك، قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أكل المسلمين أوسعت مشورة ورضى، قال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر ولكنك غلبتني.
وأخيرا أخي الأستاذ عبد الباري، نعلمكم بأننا بإذن الله ماضون على هذه الطريق في جد وعزيمة، ونسأل الله أن يعيننا على ما فيه خير البلاد والعباد، ولا أخفيك أن دولة رئيس الوزراء أصدر تعليماته لوزير الداخلية لاعتقال جميع من يتاجر بالأراضي الحكومية سواء كان من أبناء الحكومة أو أي من الفصائل العاملة في الميدان.
وفي نقلة سريعة لما ذُكر في مقالكم حول ما جرى في مسجد بن تيمية بمنطقة رفح، والذي نُقلت فيه بالمناسبة شعائر صلاة الجمعة في بث مباشر على الفضائية الجمعة الماضية (21/05/2010م)، حيث أن ما ورد في مقالكم حول إقدام قوات أمن حركة حماس على هدم مسجد بن تيمية برفح وقتل عشرين ممن احتموا خلف إمامهم، هو حديث جانب الصواب كثيراً، ولسنا بصدد التوسع في تداعيات تلك الفترة التي سبقت الحدث والتي أُشبعت تحذيراً وتهدئة للأجواء التي يمكن أن تنفجر بأي لحظة، وعن حجم الوساطات التي أرسلت "للشيخ الفاضل"، علاوةً عما سمعتموه وشاهدتموه في الخطبة يومها، وما سبق ذلك من تفجير للمقاهي ومحلات الكوافير وبعض المؤسسات، وبدء المتحصنين بالمسجد إطلاق النار بشكل مباشر ومقتل وجرح العديد من عناصر الأمن المحيطين بالمكان، وغير ذلك كثير ما يدفع الحكومة لأن تكون في لحظة حازمة وحاسمة من أمرها لأجل شعبها وقضيتها، ولتحافظ على الفكر الوسطي للشعب الفلسطيني الذي يرفض كل هذه الأمور، ولا أظنكم بعيدين عن تفهم خطورة الموقف ودقته.
وختاماً: نسأل الله العلي القدير أن ييسر لفلسطين أمر رشدها، وأن يكلأها برعايته، وأن يحفظ صفها ووحدتها نحو تحرير الأرض والمقدسات، وما ذلك على الله بعزيز، والله المستعان.