المكتبة القادرية مكتبة تاريخية موجودة في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني في العاصمة العراقية بغداد، وتعتبر إحدى خزائن كتب عصر الدولة العباسية، وتحوي عدة آلاف من نفائس الكتب والمخطوطات في مختلف العلوم الإسلامية، فضلا عن المطبوعات النادرة.
الموقع
تقع المكتبة القادرية في منطقة "باب الشيخ" وسط بغداد وكانت تسمى في العصر العباسي "باب الأزج" وتعد من أقدم أحياء بغداد.
التأسيس
وضع النواة الأولى للمكتبة القادرية القاضي أبو سعيد المبارك المخّرمي، حيث أن جامع عبد القادر الكيلاني كان في الأصل مدرسة للحنابلة بناها القاضي أبو سعيد المبارك، ثم فوضت إلى تلميذه الشيخ عبد القادر الكيلاني أو الجيلاني (1077-1168) الذي تعهدها بالعناية والزيادة.
وعبد القادر الكيلاني إمام صوفي، وفقيه حنبلي يطلق عليه أتباعه ومريدوه ألقاب منها "سلطان الأولياء"، و"باز الله الأشهب"، و"تاج العارفين"، و"محيي الدين "و"قطب بغداد"، وتنسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، وبعد وفاته تعهد أولاده المكتبة فنمت واتسع نطاق ما تحتويه من كتب في شتى العلوم.
وكان نقباء الأشراف وعلماء بغداد يحرصون على إعمار المكتبة القادرية والتبرع لها بكتبهم الخاصة، وكان النقيب يرسل نسّاخا إلى المدن الكبرى في العالم الإسلامي آنذاك، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وإسطنبول والقاهرة وغيرها، لينسخوا له الكتب النادرة وغير المتوفرة في العراق وقتها، بينما لا تزال المكتبة مفتوحة أمام الطلبة والباحثين في شتى العلوم.
المحتويات
تضم المكتبة القادرية بين جنباتها أكثر من 68 ألف كتاب، من بينها 1700 مخطوطة، تعود إلى العصرين العباسي والعثماني، ومن أكثرها أهمية مجموعة من الكتب التي انتشلت من نهر دجلة بعد أن ألقاها المغول فيه إثر غزوهم بغداد، كما تضم 1785 كتابا مصورا.
وفي المكتبة عدد من الكتب والمراجع الثمينة النادرة ما يرضى جميع القراء والباحثين على مختلف ميولهم، ففيها كتب في الفقه والحديث واللغة والعروض وسائر فنون الأدب والفلسفة والإلهيات وعلوم القرآن الكريم، والتاريخ والجغرافيا والإنسانيات.
ويقوم مختصون في مكتبة جامع عبد القادر الكيلاني بتزيين المخطوطات بنقوش نباتية وحبر نباتي خالص وطلائها بماء الذهب، ومن بين هذه المخطوطات مصاحف نادرة مهداة من عدد من الأمراء والعلماء الذين كانوا ينظرون بكثير من التقدير والاحترام لجامع الكيلاني والمؤسسات الملحقة به، وقد كان من بين هذه المصاحف نسخة من المصحف الشريف أهداها للمكتبة إمبراطور الهند المغولي وباني "تاج محل" المعروف بـشاه جيهان.
نكبات ومحن
تعرضت المكتبة القادرية لنكبات ومحن تؤرخ لما عاناه العراق وعاصمة الرشيد فقد تعرضت للهدم وبعثرة كتبها مرات عدة منها ما حدث حينما غزا المغول بغداد سنة 1258 ميلادية، ودمروا كل أوجه الحضارة فيها، كما تعرضت لمحنة مشابهة عندما سقطت بغداد بأيدي الفرس الصفويين عام 1508، كذلك عام 1623 خلال الصراع بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
ولكن سرعان ما أعيدت الحياة للمكتبة فنهضت من كبوتها وتسابق نقباء بغداد من العائلة الكيلانية بإغنائها بكل ما يقتنونه من الكتب والرسائل، ثم جاء دور عبد الرحمن النقيب الكيلاني رئيس أول حكومة عراقية في العصر الحديث ونقيب أشراف بغداد (1841-1927) في العناية بالمكتبة.
عرف عبد الرحمن الكيلاني بولعه الكبير بجمع الكتب حديثها وقديمها، مخطوطها ومطبوعها، ينفق عليها الكثير من ماله، وكان أحيانا يراسل الخطاطين في مصر والشام والمغرب وإسطنبول، لينسخوا له الكتب التي يريدها.
كما كان يستحضر كميات كبيرة من ورق الترمة وغيره من الصين والهند، لتسد حاجة النساخ في بيته، فجمع مكتبة خاصة بقي منها ما يربو على ثمانمئة مجلد مخطوط وأربعة آلاف مجلد مطبوع، وجعلها وقفا على المكتبة القادرية، غير أن تسجيلها لم يتم بصورة رسمية كما كان يريد.
ما بعد الاحتلال الأميركي
إبان الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط بغداد، تعرضت مئات الكتب النادرة والمخطوطات بالعراق للحرق والسرقة بعد حالة الفوضى التي ضربت البلاد، بيد أن بعض المكتبات العامة والخاصة استطاعت الحفاظ على جزء من هذا الإرث، عبر جمعه وتخزينه في أماكن خاصة إلى أن انجلى شيء من غبار الفوضى وعاد الاستقرار النسبي إلى المدن العراقية.
واستطاع القائمون على المكتبة القادرية جمع بعض الكتب التي تعرضت للسرقة والضياع بعد عام 2003 وأعادوا ترميمها، بنقل الكتب التابعة للحضرة القادرية من مخزنها القديم إلى مكان جديد محصن خوفا عليها من النهب والتخريب، وقد استطاعوا بهذه الطريقة حمايتها من السرقة والإتلاف.
الجزيرة نت