ليس من الصدقة أن يتزامن كشف موقع ""ميدل إيست آي" البريطاني الجمعة الماضي النقاب عن تحرك عربي تقوده دولة الإمارات العربية لتهيئة الظروف أمام إحلال محمد دحلان، الذي طردته فتح من صفوفها، مكان رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس في حال غادر ساحة الأحداث لهذا السبب أو ذاك، مع ما كشفته قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة قبل أسبوع عن مخطط مماثل لوزير الحرب الصهيوني الجديد أفيغدور ليبرمان.
المخطط الذي كشفه الصحافي البريطاني المرموق ديفد هيرست، والذي قدم تفاصيل كثيرة حول المخطط الإماراتي، الذي يراهن على دعم كل من مصر والأردن و(إسرائيل) من أجل وضعه موضع التنفيذ. فقد كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة النقاب عن أن ليبرمان سيسعى إلى توفير الظروف أمام عودة، من وصفته بـ "صديقه" محمد دحلان، إلى قيادة السلطة الفلسطينية.
ويرى تسفي يحزكيل معلق الشؤون العربية في القناة إن هناك من الأسباب "ما يبرر ارتفاع ضغط الدم لدى عباس، حيث أنه على علم بالعلاقة الخاصة بين عدوه اللدود دحلان وليبرمان.
وحسب يحزكيل، فإن تعيين ليبرمان كوزير للحرب يحسن إلى حد كبير من فرص دحلان للعودة للساحة الفلسطينية الداخلية، حيث يستذكر أن الفضل في توطيد العلاقة بينهما تعود إلى الدور الذي لعبه صديقهما المشترك رجل الأعمال والملياردير اليهودي السويسري مارتن شلاف، وهو الذي أسس "كازينو" أريحا للقمار.
ويرى يحزكيل أن ما يدفع دحلان للتفاؤل إزاء فرصة نجاح ليبرمان في تمكينه من خلافة عباس يعود أيضاً للعلاقة الخاصة التي تربطه بعبد الفتاح السيسي، ناهيك عن موقعه كمستشار لحاكم دولة الإمارات العربية.
وفي (إسرائيل) يرون أن حماس ليبرمان لتوريث دحلان حكم السلطة ليس لسواد عيون الأخير، بقدر ما أن تطبيق هذا المخطط ينسجم مع خطة ليبرمان الطموح لإسقاط حكم حماس وإحلال جهة فلسطينية أخرى محلها، خوفاً من تداعيات الفوضى التي يمكن أن تتعاظم في حال لم يتم استبدال حكم الحركة بسيطرة جهة يمكن الركون إليها إسرائيلياً. وعلى الرغم من أن ليبرمان يتكتم على طابع علاقته بدحلان إلا أنه يجاهر بمخططاته لفرض انتداب دولي على القطاع تمهيداً لتسليمه لجهة فلسطينية أو عربية.
ولا يعد نمط التفكير هذا مقتصراً على ليبرمان، بل أن الكثير من الأوساط اليمينية ترى وجوب العمل من أجل تهيئة جهة ما لإدارة الأمور في قطاع غزة في حال قامت إسرائيل بشن حملة عسكرية على القطاع، كما عبر عن ذلك وزير الحرب والخارجية الأسبق الليكودي موشيه أرنس.
ولا حاجة للتذكير بأن آخر ما تفكر فيه إسرائيل هو المكوث طويلاً في قطاع غزة، على اعتبار أنه يترتب على هذا السيناريو تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية بالغة الخطورة.
لكن بغض النظر عما يخطط له ليبرمان وغيره، فإن مثل هذا المخطط لا يملك أي قدر من النجاح. ويتعارض رهان ليبرمان وبعض الدول العربية على دور دحلان مع الاتجاه العام في المؤسسة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.
وتؤكد التقديرات العامة التي تجمع عليها المؤسسة الأمنية ومحافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب على أنه لا يمكن أن يخلف محمود عباس إلا شخصية "متطرفة وذات خط متشدد"، وذلك بسبب خيبة الأمل التي تسود الساحة الفلسطينية من عوائد المفاوضات إلى جانب تعاظم التأييد لعمليات المقاومة ضد إسرائيل.
وقد نقل موقع "واللا" مؤخراً عن الجنرال يوآف مردخاي، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قوله أمام اجتماع للسفراء الإسرائيليين في الخارج أن كل قيادة ستخلف عباس "ستكون قيادة متطرفة".
ويتفق الجنرال جادي شماني، قائد المنطقة الوسطى السابق في الجيش الإسرائيلي مع مردخاي، حيث أبلغ قناة التلفزة الأولى مؤخراً بأن الرهان على أن يخلف أبو مازن شخصية "معتدلة" لا يتوافق مع الواقع.
لا يحتاج المرء إلى الاستشهاد بما يقوله الجنرالات الصهاينة لكي يتأكد أن فرص تتويج دحلان على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تؤول إلى الصفر، لأن مثل هذا المخطط يتناقض مع المنطق السليم.
إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل حرب التحرير والكرامة لن يقبل بأن ينصب في قيادته من يخططون لتسويغ بقاء الاحتلال وتشريع الاستيطان والتهويد.