لم يكن الفلسطينيّون بحاجة إلى تعيين أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا وزيراً للدفاع في 25 أيّار/مايو، حتّى يقتنعوا بأنّ التوليفة الحكوميّة التي يقودها بنيامين نتنياهو منذ 15 أيّار/مايو 2015، هي الأكثر يمينيّة وتطرّفاً في تاريخ إسرائيل، لأنّها جمعت مختلف الأحزاب الدينيّة والقوميّة، وفي ظلّها توقّفت المفاوضات، واتّسع الاستيطان، واندلعت انتفاضة القدس في أوائل تشرين الأوّل/أكتوبر 2015.
ما قد يثير قلق الفلسطينيّين من ليبرمان، اتّهامه نتنياهو بالفشل في مواجهة حماس التي تهدّد الإسرائيليّين في غلاف غزّة، زاعماً أنّها تخطّط إلى احتلال المستوطنات الإسرائيليّة الجنوبيّة في الحرب المقبلة، تزامناً مع اكتشاف إسرائيل نفقاً داخل أراضيها، ممّا قد يفتح الباب أمام إمكان تنفيذ ليبرمان تهديداته باغتيال القيادات الفلسطينيّة في أيّ مواجهة عسكريّة.
بالتزامن مع تعيين ليبرمان، ذكرت أوساط إسرائيليّة أنّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس خائف من علاقة القياديّ الفتحاويّ محمّد دحلان مع ليبرمان، الذي سيسعى إلى توفير الظروف أمام عودة دحلان، الخصم اللدود لعبّاس، ممّا يرفع ضغط الدمّ لدى الأخير، علماً بأنّ ليبرمان ودحلان التقيا في باريس في 2015، ولديهما مصلحة مشتركة بإزاحة عباس عن المشهد السياسي، فليبرمان يرى عباس محرضا على العنف ضد الإسرائيليين، ودحلان يعتبر بقاء عباس عقبة في طريقه للصعود إلى سلم الرئاسة الفلسطينية.
يحاول ليبرمان العبث بالساحة الداخليّة الفلسطينيّة عبر تهديدات سابقة ضدّ عباس في مناسبات عدّة، وإمكان الذهاب إلى اغتيالات في صفوف القيادات الفلسطينيّة، وافتعاله حرباً مجنونة في غزّة ليثبت لخصومه السياسيّين في إسرائيل أنّه قويّ، لكنّ نتنياهو سيبقى المسيطر على القرار السياسيّ والعسكريّ في إسرائيل، في حين أنّ تماسك الجبهة الداخليّة الفلسطينيّة سيفشل مخطّطات ليبرمان ضدّها، ممّا يفرض على الفلسطينيّين مواجهة هذا التعيين العنصريّ بصورة أكثر تماسكاً.
تحتفظ ذاكرة الفلسطينيّين بالتصريحات الناريّة لليبرمان ضدّهم، وآخرها حين أعلن أنّ إسرائيل يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي ضدّ ما تقوم به حماس من حفر أنفاق على حدود غزّة، وتوعّد قادة حماس بالاغتيال إذا لم يعيدوا الجنود المفقودين في غزّة منذ صيف 2014، وطالبهم بوضع ترتيبات لجنازاتهم.
عرف الفلسطينيون سابقا قيادات إسرائيلية أكثر دموية وشراسة من ليبرمان، مثل أريئيل شارون الذي ترأس الحكومة الإسرائيلية بين عامي 2001-2005، لكنّ الفلسطينيّين يعلمون أنّ ليبرمان في المعارضة سيختلف حين يصبح وزيراً للدفاع، محاطاً بهيئة أركان الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنيّة، الذين قد يطالبونه بالهدوء، وعدم الاندفاع في تهديداته ضدّ حماس، التي انشغلت في العامين الماضيين بعد حرب غزّة الأخيرة 2014 بمراكمة قدراتها، مما يجعل من المواجهة العسكريّة الأخيرة معها نموذجاً مصغّراً عمّا قد يشهده الجانبان في جولة مقبلة، إذا أتت.
تزداد التقديرات بأن مجيء ليبرمان لوزارة الدفاع قد يتزامن مع تصعيد عسكريّ مقبل مع الفلسطينيّين، لاسيّما في غزّة، عبر تنفيذ جملة اغتيالات ضدّ قادة المقاومة، ومحاولة الكشف عن أنفاق جديدة على حدود غزّة، يتخلّلها تقدّم آليّات الجيش الإسرائيليّ كيلومترات عدّة داخل حدود القطاع، ممّا قد يستدرج الفلسطينيّين إلى تصعيد عسكريّ، ويتطلّب من المقاومة عدم الاستجابة إلى الحراكات الميدانيّة الإسرائيليّة، كما أنّ مجيء ليبرمان قد يسرّع من طيّ صفحة أبو مازن، باستغلال الحراك الإقليميّ في المنطقة، وقد يستغلّ ليبرمان انشغال الولايات المتّحدة الأميركيّة بانتخابات الرئاسة، وأيّ تصعيد سيقوم به ليبرمان ضدّ غزّة سيزداد إذا تمّ حشر إسرائيل في الزاوية عبر الضغوط الأميركيّة والأوروبيّة للعودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيّين.
خيارات ليبرمان نحو الفلسطينيّين ستتركّز في سيناريوهين، أوّلهما شنّ حرب خاطفة، عقب اغتيال شخصيّات فلسطينيّة وازنة، وبالتالي تنزلق الأمور إلى حرب، تهيّئ الأجواء لتهدئة طويلة مع غزّة، وطيّ ملفّها لفترة ليست قليلة، وثانيهما قيام ليبرمان بجرّ إسرائيل إلى مواجهة واسعة مع غزّة، لتوجيه ضربة قاصمة للمقاومة، والقضاء على قدراتها المتطوّرة بشكل ملحوظ، من دون المجازفة بالاقتحامات البريّة، لخطورتها على جنودها، والاكتفاء بالضربات الجويّة، وحتّى لو كانت هذه غير قادرة على حسم الحرب لصالح إسرائيل، لكنّها ستدفع الفلسطينيّين إلى تسوية معيّنة في مستقبل غزّة.
أخيراً... على الرغم من قلق الفلسطينيّين من انضمام ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيليّة، لكنّ لديهم بصيص أمل يتمثّل في قدرة جنرالات الجيش الإسرائيليّ على ضبط تصرّفاته، وعدم الانصياع إلى كلّ ما يطلبه من سلوكيّات عدوانيّة ضدّ الفلسطينيّين، نظراً إلى خبرتهم الطويلة في التعامل معهم من الناحية العسكريّة، مقابل خبرته شبه المعدومة في القضايا العسكريّة، حيث لم يمض أكثر من عام واحد في صفوف الجيش الإسرائيليّ، لكنّ توجّسهم منه يبقى مشروعاً!