لم تسعَ الولايات المتحدة لإفشال مؤتمر باريس وإفراغه من أي محتوى من قبيل الصدفة، كما لم يكن التطرق للمبادرة العربية للسلام على هامش المؤتمر من فراغ، خاصة بعدما وصفها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير "بالفرصة الأفضل لحل النزاع"، مشددًا على بقاء المبادرة العربية للسلام على طاولة المفاوضات باعتبارها "ركيزة مهمة لحل النزاع".
ويرجّح مراقبون بأن ما يحدث وصفة لمشروع إقليمي جديد، ستلجأ معه دول عربية وغربية لاستخدام القضية الفلسطينية في سبيل أشكال من التعاون الاقليمي الاقتصادي والامني بينها وبين (إسرائيل).
ويرى المحلل السياسي عثمان عثمان أن أمريكا سعت لإفشال مؤتمر باريس؛ لأنها معنية باحتكار عملية السلام، وتريد من فرنسا وغيرها من الدول ان تلعب كعامل مساعد فقط، مشيرا إلى دور كبير للضغوط الإسرائيلية، "خاصة أنها تعلم أن الموقف الأوروبي هو أكثر تفهما لحقوق الفلسطينيين من الموقف الأمريكي الداعم لها".
ولفت إلى أن أمريكا تماطل لكونها مقْدمة على انتخابات، "وهي حجة يمكنها التذرع بها، وأنها بحاجة لرئيس قوي متفرغ لحل القضايا العالقة".
لكن عثمان لا يعتقد أن وجود مشروع إقليمي جديد قائم على المبادرة العربية هو أحد أسباب السعي لإفشال مؤتمر باريس، موضحا أن أمريكا لا يمكنها تمرير ما هو ضد إرادة (إسرائيل) التي لا تقبل بالمبادرة العربية رغم ما فيها من إيجابيات لها على صعيد التطبع ورفع المقاطعة الاقتصادية وحل قضية اللاجئين؛ لكونها لن تقبل بالتنازل عن حدود 67 تحت أي ظرف.
لكن وعلى عكس عثمان يقول المحلل السياسي هاني المصري إن الغريب أن الموقف الإسرائيلي المتعنت و"المتذاكي" في مؤتمر باريس قوبل بتقدير سعودي من خلال قول عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بأن "الموقف الإسرائيلي أصبح أفضل".
ويضيف: "هذا يجعل تصريحات وأقوال أنور عشقي، عرّاب تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية في جدة، لها مصداقية، حين قال في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت إن مبادرة السلام العربية تملك الآن فرصة حقيقية لتطبيقها، وأن التغييرات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة تسمح بذلك"، مؤكدًا أن السعودية اليوم بعكس الماضي مستعدة للتباحث حول طلبات (إسرائيل) بتعديل بعض بنود المبادرة، وأن تحقيق السلام مع (إسرائيل) مصلحة استراتيجية للرياض.
المسؤولون الإسرائيليون يأملون بأن يقنع الرئيس السيسي الدول العربية، بما في ذلك الأردن والسعودية ودول الخليج الأخرى، بأن تبدأ تطبيع العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية مع إسرائيل لتشجيعها على المضيّ قدما في عملية السلام. وفي هذ السياق قال موشيه كحلون، وزير المالية الإسرائيلي "إن ما يجري من مبادرات واتصالات أكثر من مجرد تلميحات في الصحف، بل هناك احتمال لانعطافه نوعية في الإقليم".
ويعتبر مراقبون أن هناك رؤية جديدة قد تبدأ بزيادة الدفء في العلاقات بين الاحتلال والدول العربية وصولا للتطبيع ومن ثم الحديث عن المبادرة العربية وبحثها لتخطيها لقضايا أكثر أهمية من وجهة نظر تلك الدول كزيادة التحالفات ضد إيران وغيرها من القضايا.
وفي السياق يرى مهدي عبد الهادي رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، أن الملف السياسي سيشهد عرضا مسرحيا لأطراف المعادلة، من خلال تفعيل إعادة الثقة الذي تتصدر له مصر والسعودية، والتي تدخل في إطارها حوارات حماس في القاهرة والحوارات المرتقبة بالدوحة، في محاولة لاحتواء الملف الداخلي، مشيرا إلى أن الاحتلال سيبقى حاضرا وفاعلا ليضمن عدم الإضرار بمصالحه.
ويذكر عبد الهادي أن الجامعة العربية ليس لديها أي تحفظات على موضوع التطبيع، فيما سيتكفل بملف اللاجئين كل من السويد والنرويج لطبيعة الملف المرتبط بحقوق الانسان.
إن كل ما سبق من وجهة نظر المحلل السياسي المصري، يشير إلى خطر نجاح بناء حلف (عربي إسرائيلي أمريكي) تحت عنوان القضية الفلسطينية، "لكنه إذا قام لن يقوم إلا على حسابها، إذ نكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية للتوصل إلى حل إقليمي طالما نادى به اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، وإذا تحقق سيؤدي إلى تصفية القضية"، وفق قوله.