الرسالة نت - أمينة زيارة
أصبحت جدران غزة متنفسا لفناني قطاع غزة التشكيليين ومعرضا فنيا متنقلا لطلبة الفنون الجميلة لعرض رسوماتهم، وأضحت هذه الرسومات شريكة للغزيين في همومهم تعبر عن الحصار تارة وحق العودة تارة أخرى وثالثة إحياءً للتراث الفلسطيني.
جدران غزة حملت هموم المواطن الفلسطيني وفصول صراعه مع الاحتلال، فقد حولها الفنانون إلى مدوّنات غطوها برسوماتهم في كل شارع من شوارع غزة، "الرسالة" تجولت على تلك المعارض المتنقلة ، ورسمت مع فنانيها أجمل لوحات الصمود والتحدي الفلسطيني.
انتفاضة تشكيلية
وخلال تجوالك في مدينة غزة يمكنك مشاهدة جدارية تروي حكاية أهلها، "صمودهم، معاناتهم، ترابطهم، وأحلامهم"، وعلى جدار مقر سجن السرايا الذي دمر في الحرب الأخيرة رسم مجموعة من الفنانين الشباب عدداً من اللوحات، أحدها لرجل مسن يحاول أن يزيل أسلاكاً شائكة من أمامه وقد أخذت يده تنزف، وأخرى لامرأة فلسطينية تبكي وقد كتب على هذه الصورة "ليت أفراحك تعود يا غزة"، فتقول طالبة الفنون الجميلة "صباح قفة" إحدى اللواتي شاركن في رسم جدارية إحياء ذكرى النكبة على جدار مقر السرايا المركزي: "نقوم بانتفاضة تشكيلية في غزة بالرسم على الجدران إحياء لمناسبة ما، فنحن نعبر عن معاناة شعبنا وأحلامه ونظهر عناصر صموده عن طريق الرسم على الجدران لنوصل رسالتنا للعالم بأننا شعب يستحق الحياة مهما كانت حجم التحديات".
وتعود للوحاتها وهي تخط بفرشاتها أجمل اللوحات المعبرة عن ماضي الأجداد: أردنا أن نظهر في هذه الجدارية حقنا في العودة إلى قرانا المهجرين منها، وهذه اللوحة عبارة عن تذكرة للأجيال بالحق الأصيل في العودة، وتحمل رسالة للعالم بأن حقنا لن يموت ونحن متمسكين فيه.
أما الفنان محمد أبو لحية فقد اعتبر أن هذه الجدران هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع الشباب الفلسطيني من خلالها التعبير عن رفض هذا الواقع والحصار والانقسام والحروب، ويقول: لا خيار أمامنا للتعبير أو التفريغ عن أنفسنا إلا عبر تلك الجدران التي أثبتت نجاحها في مقاومة الاحتلال، عندما استخدامها المقاومون لتوصيل رسالتهم في الانتفاضة المباركة، ونحن الآن نقوم بانتفاضة تشكيلية على الجدران برسوماتنا المعبرة عن قضيتنا.
ومن جانبه يقول الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير جهاد عسقول: بدأنا نرسم الجدرايات منذ عام 97 خلال مشروع خلق فرص عمل للفلسطينيين في وكالة الغوث برفقة الفنان الياباني "تيتسو كامتاني" حيث شارك في الجدارية أكثر من 20 فنانا تشكيليا غزيا من رفح حتى بيت حانون، ولقد نقلنا قضيتنا للعالم عبر تلك الجدارية.
ويضيف: تطور الأمر بنا حتى أصبحنا نرسم عن المقاومة الفلسطينية أو نتحدث عن الثوابت الوطنية على الجدران كحق العودة والأسرى والقدس.
تنفيس وتفريغ
وفي هذا الصدد يقول الفنان هيثم عيد منسق المعارض والجداريات في وزارة الثقافة: تاريخ فن الجداريات في غزة يعود إلى بداية الانتفاضة الأولى 1987، حين كانت تستخدم الكتابة على الجدران للتواصل مع الناس وإبلاغهم بالقرارات.
ويضيف عيد: في ظل غياب الإذاعات والصحف خلال الانتفاضة الأولى اعتمدت الفصائل الفلسطينية الكتابة على الجدران للتواصل مع الناس، إضافة إلى رسم صور للشهداء وحتى الإعلان عن قتل عملاء، وكانت عبارة عن وسيلة يلجأ إليها الناس لإعلاناتهم الخاصة كالتهنئة بالحجّ أو الزفاف.
ويتابع: الأمر تطور في السنوات الأخيرة خاصة بعد الحصار "الإسرائيلي" على قطاع غزة، وازدهر بصورة لافتة حتى أصبح طريقة للتنفيس والتفريغ لدى الفنانين والشباب في محاولة لتحدي سياسة الحصار والمعاناة، مشيراً إلى أن الجدار أصبح وسيلة الفنان للعبير إما عن السعادة أو الحزن ثم ينقل مشاعره بريشته على الجدار.
ويلفت عيد الى انه كما للمجاهد وسيلته للمقاومة فللفنان وسيلته وهي الفرشاة التي يعبر بها عن معاناة شعبه وينقلها إلى الجدران، ويصف تعاون الفنانين في رسم الجدرايات قائلاً: الفنانين التشكيلين الفلسطينيين متعاونين في رسم معاناة شعبهم فقد توحدوا في الفكرة والهدف ونقل المعاناة للعالم، وهذا أعطى تأثير ايجابي للجدارية على كل من يراها ويثبت نجاح هدفها.