بينما كانت حرب غزة الأشرس، تتقطع فيها الأجساد وتسوى مئات المنازل بالأرض، كانت ريشة الفنانين تقاوم وتحمل همَّ الفلسطينيين، وبإبداعٍ متناهٍ خطّت أنامل فنان فلسطيني هموم من حوله وعبّر عن الواقع برسم من الخيال.
ومن حرب الواحد وخمسين يومًا المظلمة، استوحى الفنان عماد أبو اشتية لوحةً فنية أسماها (سوف نعود.. من الركام) كانت الأقوى خلال الحرب حيث انتشرت في فضاء العالم الإلكتروني ونشرتها مواقع عربية وعالمية.
الفنان الأردني ذو الأصل الفلسطيني أبو اشتية، والذي يبلغ خمسة عقود، يقول لـ إن بداية رحلته الفنية مع اللوحات والرسم وهو في العقد الأول من عمره، ويعتبر الرسم متنفسه الوحيد لما يختلج في نفسه من تأثيرات شخصية ومحيطة به.
وعن لوحة حرب غزة يقول: "كنت في كل مرة أرى مشهد الأحياء وبيوتهم سوّيت بالأرض، يعود من جديد لتدبّ فيه الحياة، ويعلن بكل قوة أن هذه الارض، وتلك القدس المحتلة التي تظهر لنا من بعيد هي قريبة وستعود مجددًا لأهلها وأصحابها".
وبدقة متناهية، تخطّ ريشة الفنان عشرات اللوحات التي نالت إعجاب المئات عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، وهي ذات دلالات ورسائل عديدة، لم تخلُ منها رأس الهرم "قضية فلسطين" والعالم العربي والإسلامي.
ولم تغب المرأة الفلسطينية عن مسرح لوحات الفنان أبو اشتية، متمثلةً بالثوب الفلسطيني الأصيل وعراقة المرأة الأصيلة، في حين تتمترس البوصلة "القدس" في جُلّ لوحاته.
اعمل لأجل قضيتك
يمسك قاضٍ بمقبض "المقص" وقد بدا غضبه على سجينٍ قُطِعت "جناحي حريته" وأُلبِس رداءه الأحمر "الإعدام" هي جزء من لوحة فنية تعجزُ الكلمات عن وصف قوة تعبيرها وشموليتها للمحيط العربي، وهي إحدى لوحات الفنان أبو اشتية.
"أن تعمل لأجل قضيتك وأمتك خيرٌ من أن تبقى متفرجًا"، يقول صاحب الفن القوي، ويعتبر أنه تأثّر بما يحدث حوله من العالم العربي والإسلامي وله رسالة في كل حدث يهمه يبعثها من خلال لوحاته.
ومن بين اللوحات الأقوى ذات الأثر في قلب الفنان، صورة الطفلة الشهيدة إيناس دار خليل التي أقدم مستوطن على دهسها أثناء عودتها من المدرسة لبيتها في أكتوبر من العام الماضي، واستوحى صورة الطفلة ذات الملامح البريئة الجميلة، ويعلّق على صمت العالم قائلًا: "تعلمنا في المدرسة (بلاد العرب اوطاني، من الشام لبغداد) وحين تدهس ايناس فلا يتحرك الضمير العربي أو العالمي فقد ضاعت القيم وما تعلمناه في المدرسة".
ويرى الفنان أبو اشتية، أن هناك اهتمامًا غربيًا بالفن الفلسطيني، وهم يسعون لنشره على مستوى كبير، وما يثير الاستغراب أن معظمهم يحملون الهمّ الفلسطيني أكثر من بعض من يطلق عليهم لقب "فلسطيني"، فيما لم يرتق الاهتمام المحلي بالقضايا الفلسطينية والإسلامية للمستوى المطلوب بعد. وفق قوله.
ويوجّه أبو اشتية رسالة للفنانين قائلًا: "(إن لم تتأثر، لن تؤثر)، فان لم يوثر بك موضوع ما ويحرك مشاعرك ومن ثم تود طرحه في لوحة، فلن يكون له أيّ تأثير على الآخرين"، ويرى أنه بذلك سيكون فقط اعجاب باللون والتفاصيل.
ويضيف أن ما يميز فنان عن آخر بكيفية صياغة فكرة ما، ومدى تأثيرها ومقدار ما يحمل من مسؤوليات تجاه محيطه، بحيث يمكن لعمل من الاعمال أن يؤجج مشاعر الناس وينقلها الى مستوى آخر.
إذن هي لوحاتٌ فنية تحمل في تفاصيلها حياة كاملة وحكاياتٍ كبيرة، تعبّر عن أمل الشعب في استقراره وتحرير بلاده، وإنهاء الاستعمار الباقي، فريشة الفنان مقاومة.