أبدت حركة فتح اهتمامًا ملحوظًا اتجاه المشاركة في الانتخابات البلدية، في وقت تجاهلت فيه الحركة طبيعة واقعها التنظيمي سواء كان في الضفة التي خسرت فيها الانتخابات عام 2013 وحصولها على المرتبة الثانية رغم عدم مشاركة حماس أو أي من القوى الأخرى.
الواقع التنظيمي لفتح في غزة يبدو أكثرًا تعقيدًا في ظل ما تتعرض له من تشتت وتعثر غير مسبوق من الناحية التنظيمية، وإخفاق أطرها من إتمام إجراء انتخابات الأقاليم التي بدأت قبل عام ونصف ولم تستكمل حتى اللحظة، بحسب قيادات محسوبة على حركة فتح.
القيادي في فتح عبد الله أبو سمهدانة، قال إن فتح ستخوض الانتخابات في قطاع غزة، و"ستفوز بأغلبية ساحقة!"، الأمر الذي أثار سخرية قيادات فتحاوية وازنة، سألته بسخرية" أي فتح تقصد بها أبو مازن أو دحلان؟!".
وبدا رئيس السلطة محمود عباس الذي يتزعم حركة فتح، أمام تحديات جمة تجاه ترتيب أوضاع حركته لأي انتخابات بلدية، خاصة في ضوء تجربة مشاركة الحركة في الانتخابات السابقة في الضفة والتي خسرت فيها الصدارة، وخرج بعض قادتها وأبنائها عن قوائمها الرئيسية وتشكيل قوائم أخرى، وتوجُّه آخرين للترشح على قوائم العوائل والعشائر، وتمكنوا من انتزاع صدارة الفوز.
وتعاظم التحدي أمام نفوذ غريمه السياسي محمد دحلان في القطاع، الذي يستحوذ على قطاعات واسعة من الـجمهور الفتحاوي في غزة، خاصة في ظل إقدام عباس على قطع رواتب المئات منهم بناء على تقارير مفبركة، واقصائه لفتح غزة وقيادتها طيلة المرحلة الماضية الأمر الذي دفع هيئتها القيادية لتقديم الاستقالة.
وبحسب قيادات فتحاوية، فإن قطار الانتخابات الداخلية في الأقاليم توقفت بعد إجرائها في خانيونس، وفوز شخصيات مقربة من دحلان، الأمر الذي دفع بعباس لوقف الانتخابات في رفح والشمال وشرق غزة، وهي مناطق يعتقد أنها محسومة لصالح دحلان.
وذهب عباس لتكليف صخر بسيسو بمتابعة مفوضية قطاع غزة، الذي بدأ بإحصاء كشوفات لأعضاء التنظيم، في خطوة أثارت حفيظة أنصار دحلان، خشية أن يتم استبعادهم من انتخابات الأقاليم، وبالتالي استبعادهم من المشاركة في المؤتمر السابع.
ورغم ذلك، أكدّ مسؤولون في حركة فتح أن دحلان لن ييأس تجاه محاولات إقصاء تياره داخل فتح، مستبعدين في الوقت ذاته أن يخرج دحلان بقوائم منفصلة عن حركة فتح، "لأن ذلك يشكل قضاء عليه"، إلّا أن محاولات اقصائه قد تدفعه لترشيح بعض مقربيه كمستقلين، أو ضمن قوائم مستقلة.
وتشير بعض الأوساط في فتح، أن هذا الخيار انتهجه دحلان في بعض المناطق بالضفة، رغم أن المخيمات هناك لا تشارك في الترشح لاختيار المجالس المحلية، وهي في الأساس أحد أماكن نفوذه.
وما يعزز مخاوف الانقسام داخل فتح، توجه عباس لتعيين مرشحين الحركة في الانتخابات البلدية، بدلا من عملية اختيارهم وفرزهم في الأطر التنظيمية، وبالتالي يكون قد حفر قبر فتح بيده، كما ترى قيادات في فتح.
وأمام حالة التشرذم القائمة في فتح، فإن عباس أمام خيارين إما أن يسمح بترشيح أعضاء دحلان ضمن قوائم الحركة ويتجاهل عدم ولائهم له وبالتالي يكون قد سمح بشرعنة عودة تيار دحلان ما يترتب عليه من استحقاقات تنظيمية وسياسية، تزامنًا مع طرح الأخير كبديل له في سدة الرئاسة.
وأمّا الخيار الأخير، يتمثل في تمسك عباس بإقصاء تيار دحلان، وبناء عليه يكون قد نعى فوز فتح في الانتخابات المقبلة.
وإزاء ذلك، يؤكد أعضاء مجلس ثوري ومسؤولون في حركة فتح، أن الانتخابات المقبلة ستوفر لدحلان شرعية كبيرة من ناحية العمل السياسي، وإن كانت حظوظ عودته في ظل وجود عباس محدودة، ولكنها بلا شك ستعزز من فرص نفوذه في الساحة الفتحاوية بالقطاع وزيادة رصيده هناك.
عضو المجلس الثوري لفتح زياد الرجوب، قال إن نفوذ دحلان في فتح غزة أمر واقع لا يمكن إنكاره، وقد تذهب فتح إلى تعيين أشخاص بعينهم ليخوضوا الانتخابات المحلية، الأمر الذي سيفرغ قوائم عديدة ومختلفة داخل الحركة.
وأضاف الرجوب لـ "الرسالة"، أن هذا السيناريو حصل فعلا في الضفة المحتلة خلال الانتخابات الماضية، وتم تشكيل أكثر من قائمة نتيجة الخلاف القائم "ولكن في النهاية وإن فازت هذه القوائم هي لا تعبر عن فتح".
وإزاء ذلك، تقول نعيمة الشيخ علي النائب عن حركة فتح، إن المشاركة الانتخابية حق لكل فرد، ولا يمكن حظر الحق في المشاركة الانتخابية على أحد. وترى الشيخ علي أن فرصة أي شخص في المشاركة لا يحددها النظام الداخلي، بقدر ما يحددها الحق القانوني، وعليه فإن الأمر لن يكون محتكرًا أو محصورًا على تعيينات أو تكليفات رسمية فقط.
أمّا غسان الشكعة القيادي بفتح، فشدد على حق الجميع بالمشاركة فيها، حتى بما في ذلك جماعة دحلان، وتابع: "المهم أن يملكوا شعبية ومنطقا، ويتفقوا على إدارة مجالس مشتركة لو كانوا يعرفون الوطن".
وفي وقت سابق، أقرّ اللواء نصر يوسف القيادي "الصامت" بحركة فتح، أن الفوز لن يكون حليف حركته في ضوء ما تعانيه من انقسامات، متوقعًا في ذات الوقت بروز انشقاقات بقوائم الحركة الانتخابية في حال خوضها أي استحقاق انتخابي خلال المرحلة المقبلة.
أمّا الكاتب والمحلل هشام ساق الله رفض حديث أبو سمهدانة، مؤكدًا أن الحركة تعيش حالة من الانشقاق والتفسخ الداخلي، ولهذه اللحظة لم تجهز نفسها لأي انتخابات مزمعة. وقال ساق الله إن الحركة لن تفوز ولن تحقق نتائج إيجابية في ضوء هذه الحالة، خاصة أنها لم تجر بعد انتخابات داخلية لتمثيل كادرها، داعيًا الى عقد المؤتمرات التنظيمية بشكل شفاف بعيدًا عن الشخصنة، لتفادي انشقاق في صفوف الحركة على غرار ما جرى بالانتخابات الماضية.
وذكر أن كثيرين من كوادر الحركة خرجوا وتحدوها في الانتخابات الماضية، وهو ما تسبب بوقوعها في أتون الخسارة أمام منافسيها من الفصائل الأخرى. وقال ساق الله إن من يتجاهل حقيقة الواقع المؤلم في الحركة ويصرح عكس ذلك، هو متأثر بالمهمة التنظيمية بالحركة ويخاف من توصيف الواقع الحقيقي لفتح، ويسعى للتماهي مع رئيس الحركة محمود عباس.
وأكدّ أن القواعد بالحركة تدرك جيدًا طبيعة المخاطر المحدقة في تنظيمهم، والمستفيدين الطامحين وراء مناصب في اللجان الهيكلية للحركة سيصدمون بالواقع كما حدث سابقًا. واتهم ساق الله مفوضية الانتخابات الداخلية في حركة فتح التي شكلت بعد المؤتمر السادس برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني، والتي لم تقم بدورها ولم تضع نظاماً داخليًا، ولم تتفق على قائمة منتخبة داخليًا، وفق تعبيره.
وتوقع أن يتم تركيب قوائم حركة فتح في الانتخابات المقبلة، بناء على مزاج اللجنة المركزية للحركة ووفق الاعتبارات التي تريدها، مرجحًا أن تعمل على إسقاط مخالفيها على غرار ما جرى سابقًا.