على غير العادة وفي مفارقة غريبة اتفق الإيرانيون والسعوديون في مواقف غير رسمية على مهاجمة حركة المقاومة الإسلامية حماس باتهامها بأنها تخطط للتسوية مع الاحتلال فيما قالت الأخيرة بأنها داعمة للإرهاب وذراع ايران لتحقيق مشاريعها في المنطقة.
حماس بدورها ردت بشكل حازم على الطرفين لتثبت أنها ليست في جيب أحد، مؤكدة أن المقاومة خط أخضر لا يمكن المساس بها.
ويرى مراقبون أن التصريحات التي خرجت خلال اليومين الماضيين تدلل على رغبة ملحّة من الطرفين لجر الحركة المقاومة إلى هذا الصراع الطائفي، لكن حنكة حماس ووقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف جعلها بمنأى عن هذا الصراع رغم أنها مهمة في غاية الصعوبة.
"الرسالة" ومن خلال تقريرها حاولت التطرق لخمسة فوارق بين الموقفين الإيراني والسعودي في التعامل مع حماس في ظل الحرب الإقليمية المشتعلة بالمنطقة.
- جاء الاتهام من الطرفين بشكل غير رسمي على لسان شخصيات أمنية حيث ترأس تركي الفيصل جهاز الاستخبارات العسكرية لسنوات طويلة، بينما يشغل العميد خسرو عروج منصب المستشار الأعلى للحرس الثوري الإيراني.
- نفى واستنكر الحرس الثوري تصريحات العروج معتبرا حماس الخط الأمامي للشعب الفلسطيني في مقاومة ومواجهة الكيان الصهيوني، فيما التزم الموقف السعودي الرسمي الصمت ولم يعقب على تصريحات الفيصل.
- يظهر النفي الإيراني حرصها على الحفاظ على مسافة مناسبة من حركات المقاومة الفلسطينية خاصة وإنها أكدت أن حماس رأس حربة في مواجهة الاحتلال، بينما يؤكد الصمت السعودي أن المقاومة ليست في سلم أولوياته بل هو لازال متأثرا بقرارات الملك عبد الله حين اعتبر أن حركة حماس حركة إرهابية.
وفي الإطار يقول الكاتب ساري العرابي في مقال له تأكيدا على أن موقف التركي ليس بعيدا عن الموقف الرسمي: فالأمير ابن ملك، ورئيس الاستخبارات لفترة طويلة، وسفير سابق لبلده في أهم عاصمتين عالميتين بالنسبة للسعودية (واشنطن ولندن)، وأخو وزير الخارجية الأشهر والأهم في تاريخ المملكة سعود الفيصل، الأمر الذي يدفع للبحث إن كانت هذه التصريحات تُعبّر عن موقف سعودي مستجدّ من الحركة، أم هي محض موقف للأمير المذكور.
واعتبر أن الطبيعة التي ظهر بها وسم #حماس_الرافضية_تسيء_للسعودية، من جهة السرعة والشكل والمضمون، لا تشير إلى عفوية شعبية، وإنما على الأرجح عن افتعال اقترفته أجهزة رسمية تحترف هذا الشكل من الدعاية السياسية، في مؤشر سريع على تبني السياسة الرسمية لخطاب الأمير.
- لا تزال إيران تؤكد في كل مناسبة أنها مع المقاومة وهو ما شددت عليه في بيانها الأخير قائلة إن تجربة الشعب الفلسطيني في مقارعة الاحتلال الصهيوني أثبتت أن نهج التفاوض والمساومة يشجع العدو الصهيوني على الاستمرار في الاحتلال، مؤكدا ان استراتيجية المقاومة التي كانت من أولويات حركة حماس، وبقية المناضلين الفلسطينيين الحقيقيين، يمكن أن تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني.
- على النقيض باتت السعودية تبحث عن سبل تفعيل المبادرة العربية للسلام وتركز على مشاريع التسوية من خلال تصريحات عدة كان آخرها على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حيث أكد أن المبادرة العربية التي تنص على الاعتراف بإسرائيل مقابل تسوية شاملة- تضم كافة العناصر المطلوبة للتوصل لتسوية نهائية للصراع بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين".
- ورغم الاختلاف الإيديولوجي والطائفي بين إيران وحماس حيث تتبع الأولى للمذهب الشيعي إلا أنها كانت سخية في العديد من المحطات في دعمها للمقاومة بالسلاح والمال، بينما وقفت السعودية السنية حجر عثرة ووضعت قيودا على التحويلات المالية وجففت منابع الدعم الذي تتلاقاه المقاومة في الأراضي الفلسطينية.
ويؤكد مراقبون أن حماس تدرك جيدا أن دخولها في الصراعات القائمة سيدمر مشروعها من حركة تحرر وطني مرتبطة بالقضية الأكبر في الوطن العربي "القضية الفلسطينية" إلى جماعة أو حركة خاضعة لحسابات إقليمية وهو ما تتيقظ له الحركة.
ما ذكر سابقا تؤكده محاولات السعودية لاستماله حماس في معركتها ضد إيران عقب اندلاع حرب اليمن، حين استقبلت في هذا الإطار خالد مشعل ووفد من الحركة وخففت من هجومها على الحركة في وسائل الإعلام، إلا أن عودة الهجوم وصمت المستوى الرسمي على ذلك يشير إلى رفض حماس الانجرار للحرب الدائرة في المنطقة.
ويبدو أن الحنكة لدى حماس تستوجب منها استمرار الحفاظ على علاقات متّزنة مع السعودية وإيران ولذلك لجأت للرد الشخصي على مهاجميها ولم تتعرض للبلدين، خاصة وأنها بحاجة للدعم الإيران العسكري، والدعم السياسي من السعودية خاصة فيما يتعلق بتخفيف التوتر بين حماس والنظام المصري.