الناصرة ـ الرسالة نت
على الرغم من أن الإعلام الإسرائيلي باللغة العبرية يتطوع دائما لترويج الرواية الصهيونية، برزت أمس الثلاثاء أصوات معارضة للعملية الإسرائيلية التي نفذّها سلاح البحرية.
وبموازاة ذلك بدأت عملية تبادل الاتهامات بين المستويين الامني والسياسي حول تحمل فشل العملية، حيث سُمع العديد من الأصوات التي وجهت أصابع الاتهام للسباعية التي اتخذت القرار، في ما رد العديد متهمين الجيش بالتقصير وعدم تزويد المنظومة السياسية بالمعلومات الكافية قبيل اتخاذ القرار باعتراض أسطول الحرية.
وكان لافتا للغاية ما كتبه سيفير بلوتسكر من صحيفة ’يديعوت احرونوت’ والذي طالب وزير الأمن أيهود باراك، بصفته المسئول الأول والأخير عن العملية بالاستقالة فورا من منصبه، بالإضافة الى ذلك وجه كتاب الاعمدة سهام نقدهم اللاذعة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي تأخر في اتخاذ القرار بقطع زيارته الى كندا، كما انحوا باللائمة على تصرفات المسئولين عن الإعلام الرسمي، الذين بحسب كتاب الأعمدة، تركوا الساحة خالية للرأي الآخر، الأمر الذي سبب أضرارا فادحة لصورة الدولة العبرية في الاعلام العالمي، وهي الصورة السيئة للغاية اصلا، على حد تعبيرهم.
وقد اجمع المعلقون الاسرائيليون على اعتبار عملية القرصنة البحرية التي تعرض لها اسطول الحرية عملية فاشلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، لانها لم تفض الى تحقيق اي من النتائج التي توختها الحكومة الاسرائيلية عند اتخاذها قرار اعتراض الاسطول بالقوة.
وفي هذا السياق يجب التشديد على انّ موجة انتقادات المعلقين الاسرائيليين لم تنبع من شعورهم بالحزن والاسى على ارواح الشهداء الذين قضوا، ولا انطلاقا من رفضهم مبدأ الحصار على قطاع غزة، بل من التداعيات السلبية والضرر الاعلامي والسياسي والدبلوماسي الذي سيلحق باسرائيل جراء الجريمة التي ارتكبها الجنود الاسرائيليون، وخصوصا ان العملية الاسرائيلية اعادت الى الواجهة، بقوة اكبر، الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة من جهة، وادخلت العلاقات التركية ـ الاسرائيلية في ازمة خطيرة، ما دفع الى طرح العديد من الاسئلة طالت الجوانب التخطيطية والتنفيذية والدبلوماسية والسياسية لعملية القرصنة.
في هذا السياق، رأى المحلل السياسي في صحيفة ’هآرتس’، الوف بن، انّ الحكومة الاسرائيلية فشلت في اختبار النتائج، وانه يتعين فحص القرارات التي اتخذتها الجهات المخولة في اسرائيل.
وفيما رأى بن ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو وشركاءه لا يستطيعون التهرب من مسؤوليتهم عن الازمة، اشار الى انه كان يتعين عليهم مسبقا التفكير بتداعيات العملية.
وفي اشارة الى خطورة الفشل الذي نجم عن العملية، طالب بن بضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية تطرح اسئلة في عدد من المجالات.
على المستوى التكتيكي، سأل بن عن سبب استخدام القوة لوقف الاسطول، وعن الخطة العملية التي قدمت الى المستوى السياسي.
وسأل عما اذا كانت الحكومة الاسرائيلية قد قامت بمسعى دبلوماسي لوقف الاسطول، او انها سعت الى المواجهة من دون ان تفحص بدائل اخرى. وفي خصوص الحصار على غزة، سأل المحلل الاسرائيلي عن غاية الحصار على غزة، وعما اذا كان مجرد استمرار تلقائي لسياسة الحكومة السابقة ام ان له غاية عملية.
بدوره، قال المراسل العسكري في ’هآرتس’، عاموس هارئيل، انّه لا يمكن التقليل من ابعاد الضرر الدولي الذي الحقته اسرائيل بنفسها، واشار الى ان العلاقات مع تركيا دخلت في ازمة خطيرة، من شأنها ان تصل الى مرحلة قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتوقف المحلل العسكري عند التداعيات المحتملة للعملية الإسرائيلية على الحلبة الفلسطينية، ولا سيما بين فلسطينيي 48، فأشار الى احتمال اشتعال النار على الحدود مع قطاع غزة او داخل الضفة، إضافة الى الخشية من حصول موجة احتجاجات شديدة بين فلسطينيي 48 على خلفية التقارير التي تحدثت عن اصابة الشيخ رائد صلاح. وفي تقويمه للعملية، اعتبرها المحلل بمثابة فشل عسكري مدو، وقال انها لم تحقق هدفها: السيطرة المعقولة على الاسطول. وراى ان ثمة نقاطا عدة تحتاج الى فحص، وفي مقدمتها طريقة تنفيذ العملية، ونوعية المعلومات الاستخبارية.
لكن صلب الموضوع، كما اشار هارئيل، يتمثل في ان القرارات التي صدرت عن المستوى السياسي تفرض فحصا دقيقا لكل قرارات المستوى السياسي والامني الكبير: من فرض الحصار الفاشل على غزة، وصولا الى ضلوع كبار المسؤولين في التصديق على خطة السيطرة العسكرية. وبرأيه فانّه في ضوء الظروف الصعبة لن يكون هناك مفر من تشكيل لجنة تحقيق، متوقعا بدء سماع روايات متناقضة واتهامات متبادلة بين المسؤولين الاسرائيليين.
بالاضافة الى ما ذكر اعلاه، ركزّت وسائل الاعلام العبرية على الفشل الإعلامي الإسرائيلي، فأشار الى انّه رغم الاستعدادات الطويلة، فانّ حكومة إسرائيل تترك مرة اخرى الساحة الاعلامية، ومرة اخرى خسرنا مسبقا.
وقال المحلل روعي كاتس ان مواطني اسرائيل يتلقون منذ الصباح التقارير الاجنبية في كل ما يتعلق بالورطة في عرض البحر، كأننا لم نتعلم شيئا، وتركت الحكومة والجيش الساحة الاعلامية خالية كليا، لافتا الى انّه من الممكن القول على نحو اكيد اننا خسرنا المعركة على شاشات التلفزة، ورغم الاستعدادات السياسية والعسكرية والاعلامية منذ اسابيع، تبين ان الحكومة الاسرائيلية ضبطت وهي غير جاهزة. وقال: يجب ان نتفرغ بسرعة للمعركة العنيفة التي لا تقل اهمية على شاشات التلفزة.
وتحت عنوان: فشل جديد للجيش الاسرائيلي، قالت ’يديعوت احرونوت’ انّه في الوقت الذي اصبحت فيه عملية السيطرة على القافلة الى غزة من ورائنا، يبدو ان العاصفة لا تزال امامنا وسيطلب من الجيش الاسرائيلي تقديم توضيحات للاحداث القاسية.
وبحسب الصحيفة سيطلب من الجيش فحص استعداد القوات التي شاركت في الحادثة، والوسائل التي اعطيت للمقاتلين، والطريقة التي تصرفوا بها على السفن وكذلك ادارة العملية على مستوى القيادة العالية جدا. ورأت الصحيفة انّ منظمي الاسطول، الذين تعهدوا بصدّ عملية السيطرة بواسطة سلاح الدعاية، وليس بالعنف، نجحوا في جذب صور الفيديو الحية من البحر وبثها. وحتى هنا، قد يبدو فشل الجيش الاسرائيلي، الذي تعهد في الايام الاخيرة بمنع هذا النصر الاعلامي عبر قطع الارسال.
وخلصت الصحيفة الى القول انّه بعد الانتهاء من القضية المؤلمة، يبدو انه سيطلب من اسرائيل العمل الحثيث ايضا على المستوى الدبلوماسي. الضرر الذي لحق باسرائيل جراء صور السيطرة القاتلة يتطلب اطفاء الحريق حتى في ميدان الدعاية في العالم، على حد تعبيرها.
ويمكن التلخيص والقول انّ تصفية الحسابات السياسية والامنية في الدولة العبرية بدأت وبقوة كبيرة، فعندما يُجمع كبار المحللين على انّ سياسة الحصار المفروضة على غزة قد فشلت، وعندما يطالب هؤلاء بالتوجه لبحث عن طريقة اخرى، فانّ حكومة نتنياهو تأخذ بعين الاعتبار هذا التوجه، لانّه في اسرائيل، يوجد رأي عام، والرأي العام، يجب القول، بامكانه اسقاط حكومة.
ناحوم بارنيع، كبير المحللين في اسرائيل كتب امس: حصار غزة فشل، فهو لم يمنع دخول صواريخ وسلاحا اخر الى القطاع، لم يضعف حماس، بل انّه عرض جهاز الامن الاسرائيلي لضوء سخيف، ولم ينجح احد في ان يشرح لماذا تعتبر الكزبرة او حتى الملابس، عناصر امنية محظور ادخالها الى القطاع.