أسر لي في جلسةٍ خاصة أن إحدى الفتيات من عائلةٍ مثقفةٍ ومحترمة قد صادقت شاباً على الموقع الاجتماعي فيس بوك، وتم بينهما حديث طويل عبر الرسائل الخاصة، ومن ثم عبر الهواتف النقالة، فتطورت العلاقة بينهما وأغرقها بكلمات الحب والغرام، ووعدها بالزواج والارتباط فصدَّقته وأَمنت له، وتعلقت به ووثقت بإخلاصه ورجولته، فأرسلت له بعض صورها بملابس خاصة وبيتية. لم يكتف الشاب بتلك الصور وطمع بما هو أبعد من ذلك، فطالبها بالخروج معه فرفضت وتوجست منه خيفة، فكشف عن وجهه الخبيث وحاول ابتزازها بفضحها ونشر صورها بين أصدقائه ومعارفها على (النت)، فما كان منها إلا أن أبلغت أخيها عن الحكاية، الذي تفهَّم الموقف وقام بإبلاغ الشرطة بغزة، وبمعاونة الفتاة نفسها تم إحكام كمين للمبتز فوقع بيد الشرطة لينال عقابه. الابتزاز هو أخطر ما يمكن لشخصٍ أن يتعرض له في حياته، فلحظتها قد يحكم على نفسه بالدمار، فالمُبتز لا يقف عند حدٍ معين بل يلتهم ضحيته ويصفيها حتى آخر قطرة من دمها ويتركها كومة عظام، وعلينا الحذر من أن نتجاوب مع المبتز أو ننكسر أمامه مهما اقترفنا من أمور تكون في نظرنا خطيرة وصعبة، فالرضوخ للمبتزين ينقلك من مشكلة صغيرة يمكن علاجها وتجاوزها، إلى جرمٍ كبيرٍ جداً يقضي عليك بالكلية، كما أن أي جرم تقترفه لا يساوِي جرم الرضوخ للمبتز والانكسار أمامه، لأن هذا سيحولك لضحية محطمة ممسوخة من الداخل، وسيحول المبتز لمجرم خطير وعنصر فتاك بالمجتمع. هذه الفتاة القوية وهذا الأخ المتفهم الشهم لم ينقذوا أنفسهم وعائلاتهم فقط، بل ربما حموا عشرات الفتيات والعائلات من أنياب هذا المجرم، فالرضوخ للمبتزين يزيد من شراهتهم لنهش آخرين وتخريب البيوت وتحطيم النفوس. التواصل الإلكتروني وما يعتريه من انفتاح وتسجيل وتدوين واختراق وسع دائرة الابتزاز، فهناك لصوص المعلومات والصور، ومقتحمي الأجهزة التي يحتفظ فيها الإنسان بأشيائه الخاصة، كما أن سهولة التواصل بين الجنسين وما أعطته الوسائل الجديدة من أريحيةٍ ويُسر يفتح الباب واسعاً لاستغلال نقاط الضعف البشرية، مع قلة خبرة البعض في التعامل مع هذه الأدوات الجديدة. لهذا أنصح الجميع بأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وخصوصاً الفتيات وعليهن الحذر من معسول الكلام والانتباه الجيد ممن يحاول استدراجهم لمربعاتٍ بعيدةٍ لابتزازهم، ولنحذر أيضاً من التهاون بالصور وأشكالها وأوضاعها وحركاتها إن كانت بالفوتو أو الفيديو، فسهولة التصوير عبر الجوالات تغري للتمادي في الاستزادة من الصور، فقد تكون مزحة بسيطة التقطت وخُزنت لا تستطيعين التخلص منها بعد ذلك وتصبح ورقة بيد مبتز، ولا ننسى أن الصور لا تُمسح من الذاكرة بسهولة، وقد يظن المستخدم أنه تخلص منها بحذفها فيستطيع خبيرٌ متمرس استعادتها بسهولة بعد ذلك، وفي المقابل من يتعرض للابتزاز فليبلغ أقرب الناس إليه وأوثقهم، ليتم معالجة الموقف، ونتمنى من السلطات التشريعية سن قوانين تجرم الابتزاز وتغلظ العقوبة لتكون رادعةً لهم ولغيرهم.
مقال: الابتزاز الإلكتروني وكيفية مواجهته
إبراهيم المدهون