مرّ العام سريعا على المتابعين لمحرقة عائلة دوابشة، إلا أنه كان ثقيلا على الطفل أحمد الناجي الوحيد منها، قضاه متنقلاً بين أسرة المشافي، حاملاً ذاكرة ثقيلة باللحظات الأليمة حين اشتعلت النار بأجساد عائلته.
ووافق أمس الأحد، الذكرى السنوية الأولى لجريمة إحراق منزل عائلة سعد دوابشة، التي نفذها مستوطنون في قرية دوما جنوب نابلس، وراح ضحيتها الأب سعد (32 عاما) والأم ريهام (27 عاما)، والطفل الرضيع علي (18 شهرا)، وأصيب الطفل أحمد بجروح وحروق بالغة.
وبعد المحرقة، واجهت السلطة غضب الشارع بقرارات عديدة أهمها التوجه بملف المحرقة إلى محكمة الجنايات الدولية، وبناء منزل جديد للعائلة، وتحويل المنزل المحترق إلى متحف وطني، إلا أن جميعها بقي حبر على ورق، ودون أي تنفيذ.
تجاهل السلطة لقرارتها التي أصدرتها يوحي بالنوايا التي كانت خلفها، بأن سعت من خلالها إلى أن تطفئ لهيب الغضب الذي اجتاح مناطق الضفة وغزة، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، فيما سجلت نقطة سوداء جديدة في سجل تقصيرها في متابعة جرائم الاحتلال، إضافة إلى فشلها في التصدي لها.
ومن ناحية أخرى، حاولت السلطة كسب مواقف ظنت أنها تمثل ورقة ضغط على الاحتلال "الإسرائيلي" بتكرار الحديث الإعلامي عن التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا ما أظهر جلياً أنها كانت بمثابة مناورة إعلامية باستعدادها لسحب الملفات من المحكمة في حال عودة المفاوضات المباشرة.
ومن المؤكد أن السلطة ليست بوارد الدخول في معركة قانونية مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي بيديها سحبت تقرير "غولدستون" الذي كشف عن جرائم الاحتلال في غزة إبان عدوان 2008/2009، وأودعته أدراجا لا مفتاح لها.
وفي دراسة متخصصة نشرها موقع "الجزيرة نت" الإلكتروني، فندت الإعلان المتكرر من السلطة الفلسطينية بشأن إحالة ملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد أن أصبحت فلسطين عضواً في نظام روما المؤسس لها.
وقالت الدراسة، إن مسئولي السلطة يستغفلون الشعب الفلسطيني عندما يعلنون صباح مساء أنهم أرسلوا ملفات الجرائم "الإسرائيلية" إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأن المحكمة ستحقق قريباً في هذه الجرائم.
وذكرت الدراسة أنه بحسب المادة (14) من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية فإن فلسطين بوصفها دولة عضواً في المحكمة تستطيع أن تحيل للمحكمة الجنائية كليا أو جزئيا الجرائم المرتكبة في أرض فلسطين إلى المدعية العامة من أجل فتح تحقيق رسمي في ذلك، وهذا إلى الآن لم يحدث على الإطلاق.
ولم تكتفِ السلطة بتجاهل ملف المحرقة في محكمة الجنايات الدولية، بل تناست وعودها ببناء منزل جديد للعائلة، وكذلك القرار المبني على رغبة العائلة في تحويل المنزل الذي كان شاهدا على المحرقة إلى متحف وطني تزوره الوفود الدولية والمحلية؛ للاطلاع على حجم الجريمة.
وفي ذلك، قال نصر دوابشة شقيق رب العائلة المنكوبة: إن السلطة والحكومة تتجاهلان ملف العائلة، وما يتعلق به من قرارات، رغم تذكيرنا المتكرر للوزارات بضرورة القيام بما وعد به الرئيس عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله".
وأوضح أنه بعد أسبوع من المحرقة حصلت العائلة على موافقة عباس لإنشاء المتحف، لكن بعض الوزرات تلكأت في متابعة ذلك، رغم مبادرة العائلة مع بعض الأطراف المحلية لوضع مخططات المتحف. وأشار إلى أن قضية العائلة ما زالت حية عبر الفعاليات التي تقيمها المؤسسات المجتمعية، إلا أنها ذهبت أدراج الرياح بعد أن طوت السلطة صفحة القرارات المتعلقة بالقضية دون أي تنفيذ أو متابعة.
من جهته، استغرب الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي عدم تفعيل السلطة لملف جريمة عائلة الدوابشة، رغم أن القانون يسمح لها بتقديم أوراق القضية لدى محكمة الجنايات الدولية منذ وقوعها، داعياً السلطة إلى تقديم طلب رسمي للمدعية العامة كي تفتح تحقيقا مباشرا في الجريمة، وغيرها من الملفات كالعدوان "الإسرائيلي" على غزة، مشككا في جدية السلطة لمتابعة الاحتلال في المؤسسات القانونية والدولية، موضحاً أن هذا المسار طويل إذ يستغرق سنوات من أجل فتح تحقيق رسمي.
على أي حال، لا تبدو قضية عائلة دوابشة على طاولة أولويات السلطة البتة، بغيابها حتى عن الحديث الإعلامي لقادة السلطة ووسائلها الإعلامية، مما يحرق الأمل الذي يراود الطفل أحمد وعائلته بأن يتم الانتصار لهم.