تظن قيادات في حركة فتح وسلطتها في رام الله، أن تأجيل الانتخابات المحلية المقررة في الثامن من أكتوبر المقبل، بمثابة "الهروب الآمن" بالنسبة لهم من المأزق الذي وقعوا فيه، ولاسيما في ظل المؤشرات الواضحة على تنامي خلافاتهم الداخلية، وتعثر إمكانية توحد الحركة في مواجهة خصمها الرئيسي حركة حماس، غير أن المراقبين لهم رأي آخر.
فمن جملة التصريحات الفتحاوية المطالبة بتأجيل الانتخابات، ما دعا إليه مؤخراً النائب الفتحاوي جمال الطيراوي، اللجنة المركزية لحركته، لإعادة النظر بإجراء الانتخابات المحلية، المقرر عقدها في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إلى حين جهوزية حركته و"لملمتها"، موضحاً أن الوضع الذي تمر به الحركة من تخبط في هذه المرحلة، لا يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات.
غير أن حركة حماس عاجلت بالتحذير من إمكانية التلاعب بالانتخابات ومصيرها، مؤكدة على لسان الناطق باسمها حازم قاسم، أنها ماضية في التجهيز للانتخابات، ضمن موعدها المحدد. وشددت حماس على أنها متمسكة بهذا الحق، وستدافع عنه، مطالبة كل مكونات الشعب الفلسطيني من فصائل ومؤسسات أهلية وحقوقية بالوقوف أمام مسؤولياته، بضرورة منع السلطة من التلاعب بالعملية الانتخابية أو التأثير على نتائجها.
دعوة غير جادة
ويرى مراقبون ومحللون أن التصريحات الفتحاوية المتلاحقة بشأن تأجيل الانتخابات، تأتي في سياق رهن هذا الاستحقاق الانتخابي بالأوضاع الداخلية للحركة التي تعاني من التخبط والصراع، كما يتناقض مع مطالب فتح ورئيس السلطة، الذي كان يطالب على الدوام بضرورة إجراء الانتخابات.
فمن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، فإن الدعوة التي أطلقها رئيس السلطة للانتخابات ليس معناها أنه جادٌ في عقدها، على اعتبار أن هناك فرقًا بين الدعوة وبين العقد، لكنه شدد على أنه يتوجب عقد الانتخابات وفقاً للدستور.
وعبر حبيب عن اعتقاده الجازم لـ "الرسالة نت"، بأن الانتخابات المحلية لن تُعقد لأسباب عديدة، من أهمها "الوضع المفتت والمتأزم وحالة الخندقة التي تعيشها حركة فتح"، مشيراً إلى أن "التجارب علمتنا أن فتح غيرت قائمتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة عدة مرات نتيجة لخلافاتها الداخلية". وذكر أن "الوضع داخل فتح لا يؤهلها لخوض انتخابات تفوز فيها، وهي لن تقدم على انتخابات لن تفوز فيها لأسباب معروفة للجميع".
هروب غير آمن
وأوضح حبيب أن الانتخابات الحالية ذات طبيعة سياسية بالرغم من القول أنها انتخابات محلية وخدماتية، معتبراً أن وصفها الأخير غير صحيح لأن صاحب القرار السياسي في النهاية هو الذي يملك تغذية البلديات والإشراف عليها وخاصة في ظل تعطل عمل المجلس التشريعي ورقابته المفترضة.
ويرى حبيب أن "فتح لم تكن مؤهلة وما تزال غير مؤهلة للانتصار في هذه الانتخابات"، معتبراً أن الأخيرة " فخاً لها قبل أن تكون فخاً لغيرها".
في حين لا يرى حبيب أن إلغاء أو تأجيل الانتخابات خروج لها من ورطتها، بل اعتبر "التأجيل هروبًا غير آمن لفتح، وذلك بعد أن أصبحت هذه الانتخابات الشغل الشاغل للجمهور والمجتمع الفلسطيني"، مؤكداً أن الهروب من هذا الفخ سيكلف فتح الكثير.
واستعان حبيب بمثل شعبي في وصفه لظرف فتح الحالي في الانتخابات قائلاً: "فتح مثل الراقصة التي ترقص على الدرج" فسواء خاضت الانتخابات ستخسر كثيراً، وإذا لم تخضها ستخسر أكثر، مضيفاً "الناس باتت تعرف أن هروب فتح مخجل ووقح من الالتزام الانتخابي الديمقراطي"، على حد تعبيره.
الكرة في ملعب عباس
وكمن سبقه، فقد عبر الكاتب والمحلل السياسي محمود العجرمي عن رأيه، بعدم جدية رئيس السلطة في دعوته لعقد انتخابات المجالس المحلية، على اعتبار أنه لا يمكن لهذا النموذج من القيادات أن يوفر تكافؤ فرص ونزاهة وشفافية لهذه الانتخابات أو الاعتراف بنتائجها إن كانت مغايرة لما يخطط.
واستدل العجرمي في تحليله لـ"الرسالة نت" بأن عباس تآمر وانقلب على نتائج الانتخابات التشريعية في 25 كانون ثاني 2006، وأقال الحكومة لأسباب سياسية وجمد التشريعي وشكل حكومات غير قانونية ويرفض إلى الآن دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، معرباً عن اعتقاده بأن هذه الانتخابات كان يمكن أن تجري إذا ضمِن عباس أن تكون مزورة ووفقاً للنتائج التي يريدها.
ولذلك لم يبدِ العجرمي استغراباً من أن يتخذ عباس بعض الإجراءات والقرارات التي قد يعتقد أنها سوف تُحرج حماس وتصرفها عن الانتخابات، كالتي اتخذها مؤخراً في بعض الدوائر الانتخابية بالضفة الغربية، متوقعاً أن يبدأ بتهيئة الأجواء إما بالتأجيل أو التعطيل أو في عقدها في دوائر معينة وليس في كل المناطق.
وبالمقابل، يرى العجرمي أن حركة حماس قامت بعمل وطني وتكتيكي ناجح على المستوى السياسي فيما يتعلق بموافقتها على المشاركة بالانتخابات المحلية، مؤكداً أن الحركة ذهبت من زاوية وطنية واستعدت أن تكون جزءاً من هذا الاستحقاق الانتخابي، وفي نفس الوقت وضعت الكرة في ملعب عباس وحركته وسلطته في رام الله.
إفلاس وضغوطات
وحول مدى قدرة فتح على تلقي كرة حماس واستيعابها، يجيب العجرمي قائلاً: "أنا من الذين يعتقدون أن فتح ليست أصلاً في وارد المشاركة بالانتخابات، لأن وضعها الداخلي مهزوم وأجنحتها تتصارع، علاوة على إفلاس مشروعها السياسي فيما أدعي أنه تسوية فوصل إلى جداره الأخير". وأضاف" أن تيار دحلان الذي يصارع عباس بميزان قوى حقيقي عائق كبير أمام مشاركة فتح بشكل موحد".
وأردف "لقد حاولت فتح أن تواجه بعض الضغوطات الأوروبية التي كانت لها انتقادات سواء بتجديد شرعية السلطة من جهة والفساد المالي والإداري المتفاقم من جهة ثانية، وبالتالي فهي أعلنت الدعوة للانتخابات ذلك حتى تُقابل برفض حماس والفصائل الأخرى لتقول "أجت منك يا جامع" وتخلي مسئوليتها عن عدم عقد الانتخابات.
وتابع العجرمي "لقد أُسقط في يد عباس حين أعلنت حركة حماس استعدادها الانخراط في الانتخابات المحلية، وقامت بتسهيل هذه المهمة وتقديم كل المساعدة".