يتغير حال البلاد والعباد سريعا، بينما نعتقد ونحن نخضع لحواجز الاحتلال في الضفة ونقبع تحت الحصار في غزة أننا عشنا دهرا.
فقط المارّون علينا بعد سنوات طويلة من الغربة او الهجرة يدركون حجم التغيير، خصوصا أولئك الذين يحنّون الى ذكريات الماضي.
خذ مثالا على ذلك: لا يزال المغترب يتذكر البرتقال الفلسطيني سواء اليافوي الشهير، او برتقال غزة التي كان من أبرز معالمها زراعة الحمضيات، اليوم يغيب البرتقال الذي تفوق على غيره عصيرًا ونكهة ومذاقًا وطعمًا ورائحة... من يزور غزة اليوم لن يجد مزارع الحمضيات بعدما ابتلعتها جرافات الاحتلال، وغزتها المياه المالحة، وحل مكانها العمار، حتى أصبحت غزة تستورد الحمضيات متعددة الجنسيات والجينات.
عادات الناس أيضا تغيرت بالكامل، أفراحهم وأتراحهم ... نفسياتهم تعرضت لعوامل النحت والتعرية، وتشكلت معها نسخة جديدة من الفلسطيني بخيره وشره، لهذا يتردد على لسان العامة: "الناس أيام زمان"، و"كان يا مكان" بعفوية التعبير عن حجم التغيير، والحنين إلى ماض كانت تكاليفه الحياتية والاجتماعية والنفسية أقل.
حتى الكائنات التي تعيش حولنا تغيرت، كنا نرى الجرذ يهرب من القط في مطاردة ساخنة، والفأر غذاؤه المفضل، اليوم يحصل العكس، تهرب القطط من "العرسة" وعندما يمر الفأر بجوار قط لا يبذل جهدا بمطاردته لأنه متخم من طعام حاويات القمامة، ويفضل القيلولة على إهدار قوّته دون طائل.
ماذا يعني كل هذا؟ .... يعني-لمن يهمه الأمر-أن ما كان يصلح قبل سنوات قد لا ينفع اليوم، فيحتاج الأمر إلى تغيير الميكرفونات التي يخطب بها، لأن آذان الناس تغيرت، ويستبدل الكاميرات لأن عيونهم تلونت، ويحترم عقولهم لأن ماكينات غسيل الدماغ اهترأت، ويجتهد في كسب قلوبهم بدل دغدغة عواطفهم.
قد تستطيع تزفيت شارع جديد لكن دون أن تساهم برفع معنويات مواطنين أوضاعهم "زفت"، بينما تحوز قبولهم عندما تنشئ متنزهًا يصلح مطبات حياتهم قبل مطبات شوارعهم، أو استراحة بحرية -غير استثمارية-تريحهم وأطفالهم من هموم الحياة.
في زمن الحروب والهروب، لم يعد لنا مأوى إلا ما تبقى من هذا الوطن، فلا مكان يقبلنا إن فكّرنا أن نهجره، وعلى رأي المثل: "اللي بيطلع من داره بيقل مقداره".