قائمة الموقع

"القاضي" يقرع جدران أمعائه لانتزاع حقه من أنياب جلاده

2016-08-20T09:02:32+03:00
صورة تعبيرية
الرسالة نت -محمد أبو زايدة

طرقاتُ على الباب توالت تباعًا، وصُراخٌ في الخارج بالعربية المكسّرة ينادي "افتخوا بسرعة.."، وصوتُ المدرعات يزداد هديرًا.. الرُعب ساد المكان، والجيران هرعوا إلى نوافذهم يقتبسون نظرة لمعرفة من يكون "كبش الفداء" في الحيّ، ومتراس الباب يعلن لحظةً حاسمة من المشهد.

فتح "مالك" باب المنزل، ووجد أمام عينيه ما يزيد عن خمسين جُنديًا ونحو عشرة مدرعات، صرخ في وجههم "شو فيه.. شو جايبكم بهالوقت"، وكانت في لحظتها عقارب الساعة تشير إلى الثانية فجرًا.

نظر ضابط جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إلى عيني الشاب مالك القاضي (20 عامًا)، ثم دفعه من كتفه ودنّس البيت بحذائه، وطرقع بأصابع يديه إلى عناصره قائلًا: "فتشوا البيت.. دوروا في كلّ زاوية.. بسرعة..".

لحظةُ صمتٍ عاشتها العائلة، توقّف الزمن حينها وكأنّ جدار الصمت تجلّى، إلى أن عاد جنود الاحتلال إلى موضع الضابط الذي اتخذ من صدر البيت مركزًا لأوامره، وأخبروه: "ما في شيء .. ما في شيء..".

ألقى الضابط نظرة على مالك، وأخبره أنّه "رهن الاعتقال.."، فتبسّم الشاب وقال: "مش جديدة علي.. شوي أغيّر الملابس.."، لكنّ الضابط أخبره أنّه سيزج في السجن مباشرة، دون أحكام.

مكث الضابط ساعتين يلقي أسئلته عن كُل موضع أثاثٍ في البيت "من أين، وكيف، ولماذا"، وبعدما سئم من الحديث، صرخ على جنوده بأن يعتقلوا "مالك"، ويلقوه في الجيب.

أمسك الجنود بتلابيب قميص "مالك"، وقيّدوا يديه خلف ظهره، وأجلسوه "القرفصاء" داخل الجيب العسكري، وبقوا محاطين حوله، وكلّما حاول أن يعدّل من جلسته؛ ينهالوا عليه ضربًا بأعقاب بنادقهم في شتّى أنحاء جسده.

"صوت الوجع الذي صرخ به مالك قبل انسحاب الجيش من المكان؛ لا يزال عالقًا في أذني"، تقول أمّ مالك لـ"الرسالة"، وتكمل روايتها التي بدأت فصولها فجر (23 أيار/مايو) العام الجاري، قائلة: "اقتادوه إلى إحدى المعسكرات الإسرائيلية قبل نقله إلى عتصيون، وخلعوا عنه سترته وقيدوه بعمودٍ ويديه خلف ظهره؛ وانهالوا عليه بالضرب المبرح والشتائم".

توقّفت عن الحديث عبر سمّاعة الهاتف الذي كان السبيل الوحيد لـ"الرسالة" لتصل إلى العائلة، ثم أكملت حديثها الذي نقلته من نجلها أثناء زيارتها له: "كان ضربهم له انتقامًا، وأخبرني أنّ كثير منهم صوروه بأجهزتهم النقالة، وسخروا منه، وشتموه بأقبح العبارات".

عادت أمّه من مكان اعتقاله عقب زيارةٍ له؛ وهي محمّلة بالوجع الذي وصلها بعد رؤيتها جسد نجلها "مالك" وعليه علامات التعذيب، تستطرد: "يده اليسرى وساقيه متورمتين بشكلٍ واضح، وتعرّض لضرب على صدره ما تسبب له بمشاكل في القلب والصدر لا يزال يعاني منها.. ضربوه بلا رحمة، وبلا أي سبب..".

وترك "مالك" رسالة لأمّه، أخبرها فيها: "ألقوني في السجن مباشرة، ووصلني تاريخ سجني قبل اعتقالي بيوم، أعطوني حكمًا إداريًا دون أي تهمة، وكانت أسئلة التحقيق عن دراستي للصحافة والإعلام في جامعة أبو ديس، وطلبوا مني أن أترك الجامعة..".

كان "مالك" يرفض حديث ضابط المخابرات له بهذه اللهجة، ويخبره أنّه سيواصل تعليمه الجامعي، ولن يكترث لتهديدات الاحتلال، ما أدى لاستشاطة الضابط غضبًا، وزجّه في السجن بعد ضربه دون رحمة، تعقّب أمه: "بسبب سوء المعاملة قرر نجلي خوض الإضراب المفتوح عن الطعام".

كان "مالك" قد أعلن خوضه الاضراب عن الطعام قبل (37 يومًا)، ولا يزال متواصلًا بسبب سياسة الاحتلال الذي ينتهجها بحقّه دون أي اتهامات، سوى "تعكير صفو دراسته الجامعية"، وفق أمّه.

وتتحدث أم مالك عن ذلك بالقول: "قبل اعتقاله الأخير، جاء عناصر الجيش بتاريخ (7/12/2015)، واعتقلوه بعد توجيه أسئلة عن سبب دراسته الصحافة بجامعة أبو ديس، وكان ذلك قبل تقديمه اختبارات الفصل الدراسي الأول بأسبوعين".

وتتابع: "أفرجوا عنه بعد أربع شهور بتاريخ(8/4/2016)، وبعد ما يقارب الشهر أعادوا اعتقاله، وكان في تلك الفترة يقدّم اختبارات الفصل الدراسي الثاني في الجامعة.. وكان متبقّي له اختبارًا، لكنّهم اعتقلوه وقالوا له.. عليك أن تترك الجامعة ودراسة الصحافة".

وبعدما اعتقله الجنود، توالى التحقيق معه من سجن عتصيون، إلى عوفر في رام الله، "وعندما أعلن إضرابه المفتوح عن الطعام، يباغته الجنود بين الحين والآخر؛ وينهالوا عليه بالضرب لفك إضرابه، لكنّه يرفض ذلك إلّا بعد إعطائه حكمًا مربوط بفترة زمنية، والتعهد بمعاملته بشكل حسن"، وفق والدة الأسير.

وبعد (35 يومًا) من إضرابه عن الطعام، ازداد وضعه سوءًا، فنقلته إدارة السجن إلى "مستشفى الرملة"؛ والذي سماه كثير من الأسرى أثناء حديثهم بشكل منفصل لـ"الرسالة"، بأنّه "مسلخٌ الأسرى الفلسطينيين".

وتنهي أمّ مالك حديثها عن نجلها بقولها: "كُل أمٍ متلهفة لرؤية ابنها، وشوقها يزداد لكل شيء منه يومًا تلو الآخر، وكُلّي أمل بأنّ نجلي سينزع حقّه من جلّاده بإضرابه عن الطعام".

 

اخبار ذات صلة