قائد الطوفان قائد الطوفان

الخطيب: الأقصى ينتظر صلاحًا يطفئ ناره المشتعلة منذ (47 عامًا)

الرسالة نت-محمد أبو زايدة

صوت الماشية لا يزال عالقًا في ذهنه كلّما خلا مع نفسه واستحضر مراتع الصبا، وكأنّ شريطًا من الذكريات يتوالى أمام عينيه لمشاهد كان "مشاكسًا" في حينها، ودومًا ما يرى صورة طفولته في "رعاية الأبقار والأغنام"، والتي يعتبرها بمثابة خدمة عسكرية وجب عليه تأديتها.

ومرة أخرى يستحضر الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة عام 48 "ذهابه للعمل في فلاحة الأرض"، وأما عن أجمل مشهدٍ يستذكره "حينما يولد سخل –صغير الخروف-أثناء عمله؛ ويعود به محمولًا إلى أهل بيته، يعبّر عن ذلك بقوله: "نشعر وكأننا عثرنا على كنزٍ في طريقنا".

تجلّت ابتسامته التي تسللت عبر سمّاعة الهاتف الذي أوصلنا به في الأراضي المحتلة عام 1948؛ لصعوبة التواصل المباشر، يقول: "كُنت أقيم في سهل البطوف، والذي يعتبر أخصب بقاع الجليل المحتل لا سيّما بفاكهة البطيخ التي كانت تزن الواحدة منها (17 كيلو جرامًا)، وكنت "شقيًا" إلى حد التخريب على المزارعين".

يتابع: "في إحدى الأيام أمسك بي صاحب الأرض، وضربني حتى بكيت، والغريب أن علاقتي لا تزال متواصلة معه بعد ما يزيد عن أربعين عامًا على الحادثة، وكلما شاهدني ينظر لي نظرة وكأنّه يخبرني "عجبًا كُنت شقيًا في صغرك، وأصبحت الآن الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل".

صوت ضحكته التي أعقبت سرد مواقفه؛ أعادته إلى تنهيدة تبعها بـ(آآآآه)، وصحبنا في جولة برفقته إلى حياته التي بدأت بالخامس والعشرين من (أغسطس/آب) عام 1962، عندما همس والده -عقب عودته من فلاحة أرضه-؛ في أذنه اليمنى "الله أكبر.. الله أكبر"، حتى انتهاء اتصال "الرسالة" به، وقوله لنا: "إن شمسنا الآن تشرق، وشمس "إسرائيل" بدأت تتدلى بالمغيب، فكلي ثقة أننا على أبواب فجر صادق وفرج قريب".

طفولة بنكهة النكبة

كانت بداية طفولته؛ لا تبعد كثيرًا عن ذكرى النكبة عام (1948)، فعاش ظروفا تشبه حكاية مُعظم الشعب الفلسطيني، وتم تهجير عديد من أقربائه إلى سوريا ولبنان، واستشهد خاله في مذبحة "عيلوط" التي جمع الاحتلال بها أهل القرية، وقتل منهم (17 شابًا)، وكان خال الشيخ كمال أحدهم؛ يعقّب بالقول: "لم يمر على زواجه –رحمه الله- إلّا أسابيع قليلة من هذه الحادثة".

أعتز أنني نهلت وتشربت من فكر ورؤية الإخوان المسلمين

ذكرياتٌ ألقاها على مسامعنا، تعود جذورها إلى جدّه –من طرف أمّه-، الذي لم يذهب لزيارته برفقة عائلته؛ إلّا وأخبرته جدّته أنّ "جدّك بالمسجد.. اذهب واطلب منه الحضور"، وكلّما جالسه، يقرأ عليه تعاليم القرآن، حتى أضحى قلبه معلقًا بالله.

يقول الشيخ كمال: "هذه العلاقة التي أودعها جدي في قلبي؛ وخلقت بداخلي شعورًا بحب المسجد، وعلوم القرآن وتعاليمه، وما إن أنهيت مرحلة الثانوية، حتى قررت دراسة العلم الشرعي".

وعودة إلى المرحلة الثانوية، التي يحمل لها ضيفنا ذكرياتٍ عايشها عام 1976، لا سيّما بعد دراسته بمدرسة أهلية تبشيرية اسمها كلية "تراسنتة" في مدينة الناصرة، يقول: "كانت لا تقبل إلا الطلبة ذوي التحصيل المتميز، وقد رشحني أحد المدرسين للدراسة في كنفها، وتمّت الموافقة".

حنكة الشباب

وعن مشهدٍ يرويه لنا حصل معه خلال شهر (أيّار/مايو) من عام (1978)، يقول: "كان المسيحيون يحيون الشهر المريمي بأيّار، يتم فيه التركيز على مريم عليها السلام وعفّتها.. وأذكر أنّ أحد المدرسين طلب من كل طالبٍ أن يحضر شيئًا له علاقة بالموضوع، فأعددت آياتٍ من سورة مريم، وآتيت في الصباح وقرأتها على الطلاب".

لكن الغريب في الموضوع، أنّه وبعد انتهاء مراسم الاحتفال؛ حضر مُدير المدرسة إلى الفصل المتواجد بداخله الشيخ كمال، واستدعاه إلى غرفة الإدارة، وأخرج أداة تسجيل وطلب منه تلاوة الآياتِ من جديد، وسجّلها، وبدأ مع كل صباح يضعها عبر سماعة المدرسة، وقال له حينها وهو يرتدي ثياب الكهنوت "هذا جميل ومؤثر".

وبعد سنوات الدراسة في الثانوية والتي امتدت من (1976 حتى 1980)، تخرّج ضيفنا من الثانوية العامة، وقرر دراسة الشريعة في مصر، لكنّ الظروف حالت دون توجهه إلى القاهرة، فالتحق بكلية الشريعة في جامعة الخليل بالضفة المحتلة.

وأمّا عن الجامعة، فقد كانت بمثابة مرحلة جديدة في تكوين فكر الخطيب، حيث التقى خلالها بشخصيات طلابية سبقته في الجامعة كالشيخ رائد صلاح، وهاشم عبد الرحمن، وخالد مهنا، وفي تلك الفترة تشكلت شخصيته الإسلامية.

محاولة اعتقال

ومع بداية عام (1982)، انتشر في أوساط جامعة الخليل، ما يسمى "المفاصلة بين طلاب الإسلاميين والطلاب المنتظمين تحت إطار حركة فتح"، وبدأت تتشكل الأطر الطلابية، وانتخابات مجلس الطلبة، وترشح ضيفنا ضمن قائمة الكتلة الإسلامية، وفاز في الانتخابات، وأضحى نائب رئيس الكتلة الإسلامية في حرم الجامعة.

"شيء كبير حدث معي في الجامعة، قطعان من المستوطنين هاجمونا في حرمها بالبنادق والقنابل، واستشهد أثناء ذلك 3 من زملائنا"، يقول الشيخ كمال، ويتوقّف للحظة عن الكلام ويكشف لنا بعد ذلك عن حدثٍ جرى معه أثناء الاعتداء، يتابع: "كانت محاولة اغتيال لي في ذلك الحدث، والدليل أنّ المقعد الذي جلست عليه تعرّض للتهميش والتمزيق، ووجدنا بأسفله قنبلة منفجرة".

تعرضت لمحاولة اغتيال من المستوطنين بقنبلة ألقيت أسفل المقعد الدراسي

حالة من الإصرار والعناد تولّدت لدى الخطيب عقب الحادثة، وفي (17/9/1982)؛ وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان، وكان لضيفنا دور في حشد الرأي العام؛ لا سيّما داخل حرم الجامعة، يصف الواقعة بالقول: "كثفنا من وجودنا في ساحة الجامعة، وحصل اشتباك مع جنود الاحتلال وحاصرونا لساعات طويلة، ثم اعتقلونا وكنت أحد المعتقلين".

وأثناء الاعتقال تعرّض الخطيب إلى الضرب المبرح، ولم يستيقظ على نفسه إلّا وهو على سرير مستشفى هداسا يتلقّى العلاج، ثم جرى نقله إلى سجن المقاطعة واستمر فيه لأسبوع، ويعقّب بالقول: "كان هذا الحادث أشد أمر خلق بداخلي حالة الكره للاحتلال، والرغبة في إنهائه".

خرج من سجنه وكُلّه حماس لأن ينشر الدعوة بشكل أكبر في ربوع الوطن، فتتلمذ على كُتب الإخوان المسلمين، وعبّر عن ذلك بقوله: "أيقنت أنّهم يحملون المنهج الوسطي الشمولي الأكثر واقعية.. وأعتز أنني نهلت وتشربت من فكر ورؤية هذه المدرسة".

وكبُرت دعوة "الإخوان" في منطقة الشيخ كمال، وأضحى يشارك في المؤتمرات الدولية، والتقى بقيادة الحركة أمال "محمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، وأحمد ملط، ومهدي محمد عاكف، ومحمد بديع، ونجم الدين اربكان..".

اكتشافات التهويد

وفي أولى أضخم نشاطات الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني المحتل، نظّمت عام (1995) مهرجانًا أسمته "القدس أولًا"، وكان كردة فعل على شعار أوسلو (غزة-أريحا أولاً)، يقول ضيفنا: "بعد الاتفاق في أوسلو على أن ترحل القدس إلى مفاوضات الحل النهائي، أدركنا أنّها ستضيع خلال سنوات المفاوضات، وسيتم تغيير معالمها وحصارها بالاستيطان".

وبعد عامٍ من الاتفاقية، استطاع الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بالداخل المحتل، ومجموعة من المنتسبين للحركة؛ منهم ضيفنا، استطاعوا الكشف عن نفقٍ أسفل المسجد الأقصى. يتابع: "دخل الشيخ رائد صلاح داخل النفق، وصوّره، ونشروا الصور واستنكروا ذلك، وأرسلوا رسالة إلى العالم أنّ الأقصى في خطر، إلّا أنّ قيادة الاحتلال نفت ذلك عبر إعلامها".

الأمر انتهى في حينها، إلّا أنّ رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو شارك في احتفالٍ رسمي نظم منتصف تسعينيات القرن الماضي لافتتاح نفق "الحوشمونئيم" تحت المسجد الأقصى، فانتشرت هبّة جماهيرية للدفاع عن الأقصى، وخلّفت ما لا يقل عن (70) شهيدًا من أبناء الشعب الفلسطيني.

وعبر مهرجانٍ ضخم نظمته الحركة الإسلامية في الداخل المحتل تحت عنوان "الأقصى في خطر"، أطلق الخطيب صرخته التي لا تزال تتردد عبر الفضائيات: "إن سراج الزيت ينطفئ، إن وقود الزيت يوهب للأقصى قد ينطفئ، ولكننا نحن نجيب، أن نسرج للأقصى دمًا، لأن الذي يسرج بالدم لن ينطفئ .. توجد مؤامرة على المسجد الأقصى والسعي إلى إلغاء المصلى المرواني، وفي الجهة الثانية يعلنون عن فتح نفقٍ لهم..".

أدركنا أنه خلال مفاوضات اتفاقية أوسلو ستضيع معالم القدس وتحاصر بالاستيطان

"إطلاقنا شعار (الأقصى في خطر)؛ فتح علينا عش الدبابير، وبدأت المؤسسة الإسرائيلية تتعامل معنا بقسوة، وبعدما أعلنّا عن فتح المصلّى المرواني عقب ترميمه، فقد الاحتلال صوابه، وأطلق حينها وزير الحرب "الإسرائيلي" شمعون بيريس بتاريخ (17/3/1998) حملة أسماها "تقليم الأظافر""، يقول الخطيب.

ويشير ضيفنا إلى أنّ الحملة كانت عبارة عن "إغلاق لجنة الإغاثة الإسلامية في مدينة الناصرة، ومنع استمرار دعم مشروع الأيتام، وتنظيم حملات تحقيق وملاحقة للقيادات، ومنع كل من الخطيب والشيخ رائد صلاح من السفر".

مستمرون رغم الحظر

وفي شهر أيّار عام (2003)، أبدت المؤسسة "الإسرائيلية" استياءها من نشاط الحركة الإسلامية، فشنّت موجة اعتقالاتٍ جارفة، وتوجيه لوائح اتهامٍ إلى كل من يدعم المسجد الأقصى، وسجنت عددًا من قيادات الحركة على رأسهم رئيسها الشيخ رائد صلاح، والذي لم تفرج عنه إلا بعد عامين، وبين كل فترة تعيد اعتقاله، أو إبعاده.

صوتُه الذي يحدث به "الرسالة"، لا يختلف البتة عن نداءاته المطالبة بحماية المسجد الأقصى من الخطر المحدق به من الاحتلال "الإسرائيلي"، ويتابع حديثه: "الحركة الإسلامية أحدثت أثرًا مباركًا في الداخل الفلسطيني على شتى المستويات، سواءً سياسية أو اجتماعية، وساهمت في تطوير بناء المؤسسات الصحية والتعليمية والرياضية والإغاثية والإنسانية، وهذا أغضب المؤسسة "الإسرائيلية".

وعقب انتشار فكرة الجماعة، وازداد التأييد لها، أعربت المؤسسة "الإسرائيلية" عن انزعاجها، لا سيّما بعد فشل محاولات الاعتقال والإبعاد، والمنع من السفر، فأصدرت "إسرائيل" بتاريخ (17/11/2015) قرارًا بحظر الحركة الإسلامية، ومنعها من ممارسة أي نشاط، وإغلاق مؤسساتها.

ومواصلة لحملات التضييق، جددت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" قبل أيام منع الشيخ الخطيب، من السفر لمدة 5 أشهر إضافية، وعقّب على ذلك بالقول: "تستمر الملاحقة السياسية والمطاردة والتضييق، ها هم يجدّدون أوامرهم الظالمة بمنعي من السفر 5 أشهر إضافية، وذلك للمرة السادسة على التوالي (منذ العام الماضي) حيث سيستمر المنع حتى 20 يناير/كانون ثان 2017".

الأقصى يشتاق لصلاح

وتعقيبًا على الذكرى الـ(47) لإحراق المسجد الأقصى المبارك على يد اليهودي الأسترالي الجنسية "مايكل دينيس"، يقول الخطيب: "لم يتجرأ الاحتلال على إحراق الأقصى إلّا لأنّه مدرك أنّ الأمة لا تزال في حالة ذهول مما جرى معها عقب هزيمة حزيران عام (1967)".

وتابع: "بعد (47 عامًا) من إحراق الأقصى، لم ينطفئ حريقه؛ ولن ينطفئ إلّا بيدٍ حانية تعود إليه، وتهديه منبرًا كما فعل صلاح الدين الأيوبي أثناء تحريره من يد الصليبيين".

وتسببت الجريمة بإحراق منبر نور الدين محمود الذي صنعه ليضعه بالمسجد بعد تحريره، لكنه مات قبل ذلك ووضعه صلاح الدين الأيوبي، الذي كان يعتبر رمزاً للتحرير والنصر على الصليبيين.

وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد عن 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد الأقصى المبارك وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.

ينهي الخطيب حديثه للرسالة بقوله: "كما هيأ الله للأمة صلاح الدين ليحرر الأقصى من الصليبيين، فنسأله أن يعجّل فيمن يخلص الأقصى من الاحتلال الإسرائيلي، ويطفئ ناره التي اشتعلت به قبل (47 عامًا).

البث المباشر