فجّرت الأحداث الأمنية الخطيرة التي تعيشها مدينة نابلس منذ أسبوع -ولا تزال- حالة من الغضب في صفوف المواطنين، وأعادت مشهد "فوضى السلاح" لسابق عهده، بعد سقوط عدد من القتلى، بينهم رجال أمن.
وأعادت قوات الأمن تعزيز وجودها في مختلف مناطق المدينة، لا سيما البلدة القديمة، حيث ساحة المواجهات التي أسفرت عن مقتل عنصري أمن وشابين من داخل البلدة، اتهمتهما السلطة بمقاومة رجال الأمن وإطلاق النار عليهم.
بكل قوته خرج الأمن الفلسطيني مستدعيا قوات النخبة لديه (101) لاعتقال المتورطين والمشتبه بهم في قتل عناصر الأمن، واعتقل عددا من الأشخاص وصادر أسلحة، في الوقت عينه أكدت عائلة حلاوة التي يُتهم بعض أبنائها بمقاومة الأمن وإطلاق النار عليه، أن الشابين -وهما فارس حلاوة وخالد الأغبر- اللذين قتلهما الأمن "أعدما بعد اعتقالهما" ودعت للتحقيق في ذلك.
ورغم ذلك، كانت العائلة -وفق قولها- توصلت لاتفاق مع قادة الأمن والمحافظ لتسليم مطلوبين، وقام القتيل أحمد عز حلاوة (خمسون عاما) بتسليم خمسة من أبنائه وأشقائه.
يقول محمد حلاوة الناطق باسم عائلته إن نقطة الخلاف مع الأمن ليست اعتقال أحمد حلاوة (أبو العز) أو تسليم نفسه، لكن الخطورة كانت في إعدامه بدم بارد بعد اعتقاله في مقر أمني (سجن الجنيد) دون محاكمة أو حتى إثبات التهم عليه.
وتعود قضية انتشار السلاح إلى نهاية عام 2008 عندما سلم عناصر من كتائب شهداء الأقصى -الجناح العسكري لحركة فتح، الذي انطلق مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000- سلاحهم مقابل عفو إسرائيلي عنهم واحتواء بعضهم في الأجهزة الأمنية، لكن الحالة النضالية لفتح لم تنته وإن كان شكلها العسكري توقف.
وهنا خرج مسلحون عدّوا أنفسهم محسوبين على هذه الكتائب وتصدروا المشهد في المناسبات الوطنية وغيرها وهم يحملون أسلحتهم، الأمر الذي وصف "بالاستعراضية".
تداخل المهام والمصالح
وإن كان هذا السلاح يُؤرق السلطة، فإنها -وحسب كثيرين- لم تعمل على ضبط واعتقال من يحمله، مما فهم على أنه تناغم بين السلطة الوطنية وحركة فتح، باعتبار أن أولئك المسلحين جُلهم من أبناء الأجهزة الأمنية، كما يقول زاهر الششتري القيادي بالجبهة الشعبية.
ويؤكد الششتري للجزيرة نت أن وجود السلاح بالشارع زعزع الأمن والاستقرار لأنه استخدم بغير محله وسقط عبره ضحايا، وهذا السلاح ذاته خدم السلطة الفلسطينية، لا سيما إبان الانقسام الفلسطيني رغم الدعوات للحد منه.
ويضيف أن تطور أبعاد أحداث نابلس من جنائية لسياسية يبين عمق الخلاف بين السلطة وفتح، وهو ما انعكس في آليات تنفيذ القرار، إضافة إلى الضغوط الغربية والعربية على السلطة بضرورة ضبط الأوضاع قبل العودة للمفاوضات، وخشية من تكرار تجربة غزة.
قضية جنائية
بعيدا عن جذور أبو حلاوة النضالية، حيث يُنظر إليه كشخصية وطنية عانت من الاحتلال كثيرا، وأنه ينتمي لكتائب شهداء الأقصى، إلا أنه طُلب في الأزمة القائمة ولوحق لكونه "خارج عن القانون" في رأي محافظ مدينة نابلس أكرم الرجوب.
ويقول الرجوب إنهم لم يلاحقوا أي شخص لانتمائه، وإنهم مطلوبون لإطلاقهم النار على قوى الأمن وقتل اثنين منهم، وذكر أن هؤلاء الأشخاص أو غيرهم مطلوبون نتيجة سلوكهم "بعيدا عن غطاء الوطنية".
هذا الشعار الوطني في نظر قيادة السلطة بات حجة لا أكثر، خاصة لمن يحمل السلاح في غير وجه الاحتلال الإسرائيلي، "لذا فإن السلاح الشرعي هو الذي بيد أجهزة الأمن وحكر عليهم"، كما يؤكد الرجوب.
وهذا ما تتفق معه أيضا عائلة حلاوة التي تؤكد أن السلاح الشرعي هو ما يوجه ضد الاحتلال، "وأن سلاحها وُجد نتيجة لظروف استثنائية وضعت بها، أو لكونه يعود لأفراد عسكريين كما أبو العز الذي يعمل ضابطا في جهاز الشرطة".
ويتفق رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية خليل عساف مع الششتري على أن أغلب المسلحين ينخرطون في الأجهزة الأمنية، ويؤكد أن هذا السلاح تحول لظاهرة مقلقة عندما وُجه لغير الاحتلال وأصبح مؤذيا للشعب، "ولهذا فإن السلاح بحاجة لإعادة تقييم لمن يحمله ومن يزوّد به".
ويشير عساف إلى أن كتائب الأقصى حالة نضالية لا تظهر سلاحها بالجنازات والأعراس وضد الشعب، ورغم ذلك تبقى أحداث نابلس في نظره استثناء وليست ظاهرة، وهي "جنائية بحتة" بكل تفاصيلها، وتسيسها يكمن فقط في انتقاد السلطة وأجهزتها الأمنية.
غياب الاحتواء
وعلى المسافة ذاتها يقف رئيس كتلة فتح البرلمانية بالمجلس التشريعي الفلسطيني جمال الطيراوي من السلاح ومن يحمله، ويطالب السلطة ومؤسسات المجتمع المدني باحتوائهم "تماما كما حصل قبل ثماني سنوات".
ويؤكد الطيراوي -الذي اعتقل لدى إسرائيل بتهمة الانتماء لكتائب الأقصى- أن حدث نابلس جنائي، وأن أي سلاح مقاوم يحفظ بمكانه ولا يُستخدم بغير وجهته الأصلية وهي الاحتلال، "وغير ذلك فهو سلاح غير شرعي".
لكن القيادي الفتحاوي يأخذ على السلطة وأجهزتها الأمنية عدم شمل هؤلاء المسلحين بأجهزتها ووظائفها، وقال إن ذلك بحاجة لقرار سياسي من أعلى المستويات، خاصة أن الثقة بين المسلحين ومؤسستي الأمن والقضاء أصبحت منعدمة.
كما أن كلمة مطلوب لبعضهم أصبحت مرعبة وتمنعهم من تسليم أنفسهم لأجهزة الأمن نتيجة الممارسات السلبية ضدهم في السجون، كما حصل بسجن الظاهرية بالخليل وسجن أريحا سابقا، وهذا ما وتّر العلاقة بينهما وأزّمها، لكن هذا الأمر نفاه الرجوب ودعا المسلحين لتسليم أنفسهم مقابل الأمن والاحترام.
الجزيرة نت