يستطيع المستخدمون اليوم التعامل مع الحواسب من خلال حاستي السمع والبصر، فيستطيع المستخدم مثلاً أن يستمع إلى أغنية أو مشاهدة فلم أو لعب لعبة ما، وقد وصل المطوّرون إلى مراحل متقدمة جداً على مستوى توظيف هاتين الحاستين في الحواسب واستطاعوا بذلك برمجة آلاف التطبيقات.
مثلاً أثناء لعب إحدى الألعاب القتالية التي تحوي الأسلحة النارية والقنابل وغيرها، ستشاهد مدى التطور الكبير والواقعية الكبيرة التي وصلت إليها الألعاب على المستوى البصري والسمعي. لكن هنالك ثلاث حواس لم توظف بعد، وأعتقد أن هنالك إجماع على أنّ حاسة اللمس تأتي بالأهمية بعد البصر والسمع، فبمجرد مقدرتنا توظيف حاسة اللمس ضمن الحواسب ستكون قادراً عزيزي المستخدم على الشعور بوزن السلاح وملمسه ودرجة حرارته أثناء لعبك لإحدى هذه الألعاب القتالية.
وليس ذلك فقط بل ستكون قادراً على لمس كل شيئ في الواقع الافتراضي كذلك. الأمر ممتع أليس كذلك؟ نعم بالطبع و تعدنا تقنية الإحساس باللمس (محور مقالتنا) بجعل كل هذا حقيقة، كيف ذلك؟ لمعرفة ذلك سنجيب على سبعة أسئلة للإحاطة بماهية هذه التقنية وتطبيقاتها.
ما هي تقنية اللمس Haptic Touch ؟
تعود كلمة (haptic) بالأصل إلى الكلمة اليونانية (haptesthia) والتي تعني اللمس. يملك العلماء رؤية واضحة جداً عن كيفية الشعور باللمس عند البشر ولكن عملية نقل هذه التكنولوجيا إلى عالم الحواسب والواقع الافتراضي كانت وما زالت عملية صعبة.
يسعى الباحثون في مجال تقنية اللمس ومطوريّها على جعل الإحساس بملمس الأجسام الافتراضية أمر ممكن الحدوث ونقصد باللمس كل شيء من قبيل تمييز المادة المشكلة للجسم وكذلك ملمس النسيج الخارجي بالإضافة إلى تحسس الشكل والحجم والوزن. بالإضافة إلى ذلك درجة الحرارة وغيرها من الأمور التي تستطيع فعلها بيديك.
لتقنية اللمس نوعين مختلفين من الأحاسيس إذا صح القول ولتوضيح ذلك لدينا المثال التالي: لنفرض أنك تمسك غرض بيدك وليكن كرة مضرب على سبيل المثال، تستطيع بهذه الحالة تحسس حجمها الإجمالي وشكلها وكذلك موقعها بالنسبة لليد والجسم. في حين أن أصابعك تتحسس ملمس هذه الكرة من حيث النعومة والخشونة أو الصلابة والليونة وكذلك درجة الحرارة. إذا لنتفق على وجود نوعين مختلفين من الإحساس يمكن لأي منا الشعور بهما عند لمس أو مسك أي غرض.
الأول وهو الحركي (نستطيع من خلاله معرفة الحجم والشكل …).
الثاني هو اللمسي (نستطيع تحسس النعومة والصلابة ودرجة الحرارة … ).
يفكر الباحثون في مجال الهابتك في كيفية محاكاة كلا هذين الإحساسين وتنفيذهما في الواقع الافتراضي، فالشعور الحركي والتي تكون العضلات مسؤولة عنه، يفكر الباحثون بمحاكاته عن طريق المحركات والهياكل الميكانيكية. أما الشعور اللمسي والذي تمكننا النهايات الحسية في أصابعنا من الشعور به، يفكر الباحثون بمحاكاته باستخدام طرق عديدة منها الأمواج فوق الصوتية.
ما هو مبدأ عمل تقنية اللمس؟
مثل ما ذكرنا سابقاً فإن عمل تقنية اللمس يعتمد على ترجمة كل من الإحساس الحركي والإحساس اللمسي، نقوم عادة محاكاة الإحساس الحركي عن طريق حساب القوى في الواقع الافتراضي ومن ثم تطبيق هذه القوى بشكل فعلي على يد المستخدم من خلال تطبيق عزوم من خلال المحركات مكافئة تماماً للقوى المحسوبة.
أما الإحساس اللمسي فيتم تنفيذه عملياً عن طريق الأمواج فوق الصوتية، أو من خلال تطبيق شحنات كهربائية أو غيرها الكثير من الطرق، بحيث يتحرك الهواء حول يد المستخدم فيمكننا محاكاة إحساس الخشونة أو النعومة وهكذا.
لتنفيذ هذه التقنية على أرض الواقع نحتاج إلى ثلاثة أمور رئيسية:
1. Haptic device
وهو ما سيمثل العتاد الصلب في عملية الإحساس الافتراضي، ويتكون من مجموعة من المفعّلات والحساسات بالإضافة إلى هيكل ميكانيكي، يستقبل هذا الجهاز الأوامر من المستخدم ويطبق القوى أو ما سميناه مسبقا بالإحساس الحركي أو اللمسي على يد المستخدم. هنالك العديد من هذه الأجهزة التي تتواجد حاليا في السوق سنشرح عنها اكثر في الفقرة التالية.
2. Haptic Software
نقصد بذلك البرامج التي يجب تواجدها على الحواسب للقيام بالعملية اللمسية. أهم شيء تقوم به هذه البرامج هو عملية إنشاء أشكال وأغراض ثلاثية الأبعاد، ومن ثم حساب القوى والأوزان التي تشكلها هذه القوى ومن ثم إرسالها إلى العتاد الصلب الذي يحولها بدوره إلى قوى فعلية تطبق على يد المستخدم.
3. Virtual environment
يجب تواجد بيئة افتراضية تكون متوافقة مع إمكانية لمس الأغراض أي يجب أن تكون فيها الأجسام تمتلك كتلة وليس فقط شكل خارجي تعمل هذه البيئة عمل نظام التشغيل لعملية اللمس الافتراضي. وكذلك يجب تعريف النسيج المكون لكل غرض من الأغراض.
ما هي تطبيقات تقنية الإحساس باللمس هذه؟
ليس من الصعب أبداً تخيل ما يمكن لهذه التقنية من تطبيقات، فكل شيء يعتمد على التجربة اللمسية الحسية في العالم الحقيقي سنتمكن في المستقبل من تنفيذه تماماً كما هو من خلال الواقع الافتراضي .لترى بنفسك ما هي التطبيقات التي يفكر بها الباحثون أو ما تم تنفيذه، ما عليك سوى الدخول إلى محرك البحث وإضافة كلمة Haptic إلى أي كلمة أخرى لتعرف أين وصل العلم في هذا المجال، وسأذكر أهم التقنيات الواعدة في هذا المجال:
1. المجال الطبي
دائما ما كانت الجراحة أمر صعب للجراحين الجدد، وذلك لأن الشق العملي لا يمكن تطبيقه إلا مباشرة على البشر، وهو ما يمثل ضغط على الجراح الجديد وكذلك خطر على حياة المريض، ومهما شاهد الطبيب من عمليات جراحية لن يتمكن من إتقان الموضوع بشكله الصحيح. مع تقنية الهابتك سيتمكن الجرّاحون الآن بالقيام بعمليات جراحية تخيلية تشابه تماماً العمليات الحقيقية بما في ذلك مسك المشرط وقطع الجلد وكذلك تحسس الأعضاء البشرية. وفي النهاية سيتمكن الجرّاحون من تخييط الجرح بعد العملية.
2. المجال التعليمي
يتم استخدام تقنية اللمس في مجالات تعليمية مختلفة، فمثلاً يمكن استخدام أجهزة الهابتك في تعليم الفيزياء، وذلك من خلال إنشاء واقع افتراضي يمكن للطلاب من خلاله التعامل مع الخصائص الفيزيائية المختلفة. بعض هذه الأجهزة يمكن للطلاب من خلالها تجربة خصائص فيزيائية مثل الجاذبية، الاحتكاك، قوة الضغط، وغيرها الكثير.
يمكن كذلك استخدام هذه التقنية في مجال الكيمياء وذلك من خلال إنشاء جزيئات افتراضية والتعامل معها بشكل مباشر ولمسها كذلك مثل لمس جزيء الماء مثلاً!. أما في مجال البيولوجيا يمكنك مثلاً لمس كريّة دم حمراء أو بيضاء، وكذلك لمس أحد الفيروسات، بالتأكيد لن ينسى الطلاب شكل هذا الفيروس بعد لمسه.
يتطلب عدد من التخصصات تنفيذ بعض الأمور بدقة متناهية وببراعة كبيرة، بواسطة تقنية اللمس يمكن التدريب على تنفيذ مثل هذه الأمور بشكل قريب جداً من الواقع، وبالتالي تخفيف مقدار الأخطاء في المستقبل.
3.المجال الترفيهي
كما ذكرنا في المقدمة ستصبح تجربة الألعاب الإلكترونية أكثر واقعية، ستشعر بوزن الأسلحة وارتدادها حين الإطلاق، وستشعر بثقل المقود أثناء القيادة، وكذلك الاصطدام بأحد الجدران والوقوع بأحد الحفر. باختصار ستصبح الألعاب أكثر واقعية وأكثر متعة من ذي قبل.
هل هنالك بالفعل تجارب فعلية لتقنية اللمس؟
هنالك العديد من الأجهزة التي أصبحت موجودة في السوق حالياً وأهمها هذين الجهازين.
Phantom: واحد من أوائل الأجهزة التي تواجدت في السوق، لهذا الجهاز شكل كالقلم مع قاعدة تشبه قاعدة المصباح. يملك هذا الجهاز ثلاثة مفعلات (محركات كهربائية) دورها الرئيسي تحويل القوى المحسوبة إلى قوى حقيقية فعلية تطبق على يد المستخدم. يستطيع المستخدم الإحساس مثلا بليونة بالون منفوخ أو بصلابة حجر.
The CyberGrasp System: يعمل هذا الجهاز بطريقة مختلفة، فهو يغلّف كامل اليد وبالتالي تستشعر قوة الهابتك على كل إصبع من الأصابع. يملك هذا الجهاز خمس مفعلات تولد القوى التي تنتقل على طول الأوتار التي تربط أطراف الأصابع مع الجسم الخارجي.
مع هذا الجهاز يمكن للمستخدم الشعور بحجم وشكل الغرض الافتراضي والذي يتواجد داخل الواقع الافتراضي.
يمكن عن طريق هذا الجهاز استشعار نوع سطوح المواد وكذلك الشعور بوزنها.
ماهي المعوقات أمام انتشار تقنية الإحساس اللمس؟
لا يوجد انتشار كبير جداً لهذه التقنية ويعود ذلك لعدة أسباب نذكر منها:
1. التكلفة العالية جداً والتي لا يقدر أغلب الناس على تحملها.
2. الوزن والحجم الكبيرين لأجهزة الهابتك وخاصة المحمولة منها والتي يجب ارتدائها مما يجعلها غير مرغوبة.
3. ما زالت هذه الأجهزة تحوي بعض المشاكل على مستوى حساب القوى ونقلها للمستخدم.
4. التعقيد الكبير في العتاد الصلب، وكذلك البرامج.
ماهو مستقبل تقنية الإحساس اللمس؟
مستقبل هذه التقنية واعد جداً، وهو ما سيسهل الكثير من الأعمال ويجعل تجربة استخدام الحاسب أكثر متعة وخصوصا في مجال الترفيه والألعاب
ولكن هذه المشاكل لن تقف عثرة في طريق تقدم هذه التكنولوجيا، فكلنا يذكر كم كنت الحواسب مكلفة وأسعارها مرتفعة بالإضافة إلى أحجامها الكبيرة وكذلك مشاكلها ولكن حالياً كل هذه المشاكل تم حلها وكذلك الأمر بالنسبة لهذه التقنية. في المستقبل القريب سيتمكن كل منا من صناعة بدلة للرجل الحديد بل وسنستطيع تجربتها كما كان يفعل البطل في قبل تصنيعها.