قتلت التصريحات الأخيرة لرئيس السلطة محمود عباس، الأمل الذي بدأ يكبر في نفوس قيادات فتحاوية بشأن إمكانية رأب الصدع الذي يشرخ الحركة.
وكان عباس قد حذّر في اجتماع للحركة، بثّه تلفزيون فلسطين الرسمي، من مغبة تدخل بعض العواصم، التي لم يسمها، بالشأن الفلسطيني والتلاعب بحق تقرير المصير، والاستهانة باستقلالية قراره، في إشارة إلى جهود الرباعية العربية (السعودية، مصر، الأردن، الإمارات) التي بادرت لتوحيد "الصف الفلسطيني"، بمصالحة عباس والقيادي المفصول محمد دحلان، ثم الانتقال إلى مصالحة شاملة.
وقال عباس الذي بدى منفعلاً بشدة: "يجب أن نتكلم كفلسطينيين، كفى الامتدادات من هنا أو هناك، من له خيوط من هنا أو هناك فالأفضل أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها".
وأضاف: "هذا وطننا، علاقاتنا مع جميع العالم يجب أن تكون علاقات طيبة وجيدة، لكن لا أحد يملي علينا موقفاً، لا أحد يملي علينا رأيًا، نحن أصحاب القرار، نحن الذين نقرر، نحن الذين ننفذ، ولا سلطة لأحد علينا".
حديث أبو مازن كان صدامًا للدرجة التي قال فيها، عدلي صادق عضو المجلس الثوري لحركة فتح، والسفير السابق لدى السلطة الفلسطينية، إنه ليس هناك أفضل من المصارحة ووضع النقاط على الحروف، دون افتئات على الرئيس عباس، وإنما لتنبيهه من مخاطر الشطط المخرب.
وكتب في مقال له بعنوان "حديث الساعات الأخيرة" أن الرباعية العربية، هي نفسها التي ساندت الرئيس عباس كلما لجأ إليها، وقد دأب على السفر إلى القاهرة لكي يتحصل منها على تفويض".
وذكر أن الحال الفلسطينية البائسة والمتردية، اقتضت التدخل العربي، بعد أن عزت المبادرة الفلسطينية الذاتية، غير أن المستفيدين من هذه الحال، والمتقلدين لأدوار لم يفوضهم أحد بتقلدها؛ استنفروا واختزلوا الأمر في محمد دحلان وعودته، والعودة عن كل تدبير طاله كيدياً ودونما اتباع للأصول التنظيمية.
وأضاف صادق: "كان مؤسفًا أن يتبع ذلك تصريح صادم للرئيس عباس، ينم عن تراجع عن الخطوة الأولى، التي اتفق عليها وفد اللجنة المركزية لحركة فتح، مع اللجنة الرباعية العربية، في العاصمة الأردنية عمان. وكانت التعبيرات في التصريح، مستفزة لحكومات الأقطار العربية، بينما لا يتمنى أحد، لفلسطين، أي تردٍ في العلاقة مع الأشقاء العرب".
بينما، عبّر ماهر مقداد المتحدث باسم "فتح"، عن استغرابه من مضمون خطاب أبو مازن، وأكد أن ما قاله الرئيس في أعقاب عودة الوفد الخماسي من أعضاء اللجنة المركزية من القاهرة، والاتفاق على خارطة طريق لتحقيق المصالحة، مع القيادي محمد دحلان يتناقض تماماً مع نتائج حوار الوفد.
وأضاف مقداد في حديثه لإحدى الصحف المصرية، أن السلوك السياسي للرئيس لم يعد مفهوماً، فمن جهة رفض كل الدعوات التي قدمتها قيادات وازنة في الحركة بتأجيل عقد الانتخابات المحلية، وقرر المضي قدما في عقدها بشكل يعيد إلى الأذهان التحذيرات التي قدمت له عام 2006م، والتي طالبته حينها بإرجاء الانتخابات.
واستدرك قائلاً: "عناده قادنا إلى ما وصلنا إليه، وسيطرة حماس على قطاع غزة منذ أعوام وإظهار فتح أنها حركة ضعيفة أمام حماس، والآن يكرر نفس الخطأ ويصرُّ على استثناء كفاءات الحركة، ويصفهم بالمتجنحين، ويتقدم بمرشحين فسدة نجحت حماس في إسقاطهم قبل الانتخابات، والآن يتراجع عن خارطة الطريق لتحقيق المصالحة الداخلية التي اتفق عليها في القاهرة قبل عدة أيام، ونخشى أن يكون الخرف السياسي قد أصاب خطوات أبو مازن، وبالتالي ستدفع الحركة وأبناؤها ثمن هذا الخرف"، وفق تعبيره.
ويشار إلى أن صحفيين ووسائل إعلام مصرية هاجمت الرئيس عباس، ووصفت خطابه الأخير بـ "الخرف". وكتب الإعلامي المصري يوسف أيوب قائلاً: إن أبو مازن يفقد عقله، وبات يحتمي بالتصريحات العنترية لينفرد بالمال والقرار".