ألغت محكمة العدل العليا التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، إجراء انتخابات الهيئات المحلية بقرار مباشر من الرئيس محمود عباس في خطوة تمثل سقوط مدوي لحركة فتح خاصة أن القرار كان واضحاً أنه معد مسبقاً فيما يشبه "خطة إنقاذ" يتم إخراجها وقت الحاجة حينما تشعر فتح أنها على وشك خسارة الانتخابات.
القرار الذي جاء بعد قرابة النصف ساعة من قرار محكمة بداية خانيونس، صباح اليوم الخميس، إلغاء قوائم "فتح" الانتخابية ببلديات خانيونس وعبسان الكبيرة والقرارة والفخاري في محافظة خانيونس والشوكة في رفح، إلى جانب ثلاثة قوائم سقطت سابقاً يعني أن فتح خسرت المعركة في قطاع غزة ما دفعها للجوء لإلغاء الانتخابات ككل.
وللمفارقة، فإن فتح كانت تتهم حماس أنها ترفض إجراء الانتخابات، وتخشى نتائجها، لكن الواقع أظهر عكس ذلك اليوم بإلغاء فتح الانتخابات التي خسرت فيها عدة معارك حتى الآن أبرزها المعركة القانونية.
ويمكن القول إن الهروب الكبير لفتح ليس وليد اللحظة، فقد كان مطلباً منذ البداية، ومن أبرز خيارات الحركة لمواجهة منافستها القوية شعبياً وتنظيماً حركة حماس، حيث حاولت فتح الهروب من استحقاقات الانتخابات في أكثر من محطة.
المحطة الأولى: إلغاء الانتخابات والهروب من نتائجها الكارثية كما وصفها عدد من الفتحاويين، كان مطلب لقيادات وازنة في الحركة ألحت على عباس بإلغائها حتى لا تُسلم حماس الضفة على طبق من فضة، وقد ذكرت القناة الثانية الإسرائيلية بأن مسؤولين كبار في حركة “فتح” طالبوا عباس بإلغائها وقالوا لعباس بأنهم معرضون للهزيمة في مواجهة “حماس” في الضفة الغربية، وبأن ذلك سيعني “دمار” حركته.
وكان القيادي في حركة فتح حسام خضر، أكد أن قيادة السلطة الفلسطينية تبحث عن ذرائع من أجل إلغاء الانتخابات، "لأنها تخشى الديمقراطية أكثر من خشيتها الاحتلال"، وفق تعبيره.
المحطة الثانية: كان واضحاً أن فتح أعدت خطة درج مسبقة عندما دفعت نقابة المحامين التابعة لها برفع دعوى قضائية في محكمة العدل العليا للمطالبة بإلغاء الانتخابات، كخطوة وقائية للتحضير لخطوة الإلغاء.
المحطة الثالثة: برزت أزمة المرشحين وتشكيل القوائم بقوة، فكانت مرحلة مخاض عصيبة وظهرت بقوة أزمة التنظيم المنقسم والمتصارع، وكان فشل القوائم نتيجة طبيعية للمعايير التي تم اختيار المرشحين بناء عليها، ويتقدمها ولائهم للرئيس دون مراعاة توافق المرشحين مع الجانب القانوني.
وقد أظهرت مرحلة تشكيل القوائم عوار حركة فتح، كما أن الاعتماد على الأجهزة الأمنية في ملف هام كالانتخابات له أبعاد كثيرة بعيدة عن الجانب الأمني، مثل الجانب القانوني والذي كان صاعق تفجير الانتخابات.
المحطة الرابعة: الهروب هنا ليس فقط خشية الخسارة أمام حماس وإنما للهروب من الضغوط الكبيرة التي تمارس على عباس من الرباعية العربية "مصر-السعودية-الأردن-الامارات" لمصالحة دحلان.
وكان من أبرز الأسباب التي دفعت العرب للضغط باتجاه مصالحة فتحاوية هو خشية خسارتها الانتخابات أمام حماس، وقال العرب صراحة "يجب أن تذهبوا لمواجهة حماس موحدين"، لكن عباس تصدى لهذه الضغوط بخطاب عنتري رفض فيه أي إملاءات خارجية على الطرف الفلسطيني، في تلميح واضح للضغوط العربية.
وفي مقابل كل هذه المحطات وهواجس الفشل ومخرج الإلغاء، ظهرت حركة حماس بقوة مفاجئة فيما يتعلق بالجانب القانوني من خلال الطعون المقدمة والتي كان واضحاً أنها مدروسة بدقة، في مقابل التضليل الذي مارسته فتح فيما بينها.
وقد مارس التنظيم والمرشحين التضليل ضد بعضهم، خاصة أن تنظيم فتح اهتم بجانب الولاء فيما لم يقدم المرشحين بياناتهم الكاملة ما تسبب بالأزمة القانونية فيما بعد.
ولم تحاول فتح أن تعمل بشكل منظم وقوي للانتخابات، أو أن تنافس بشرف، فقد اعتمدت على سلاح الأمن في الضفة من خلال التهديد والاعتقال والملاحقة، فيما فعلت سلاح المال في غزة من خلال التهديد بقطع الرواتب.
وفي النهاية لم تجد فتح بدً من الهروب الكبير بعدما صدر قرار محكمة العدل العليا، وهو قرار سياسي بامتياز جاء بإيعاز من أبو مازن ليسدل الستار على محطة من محطات الإخفاق التي قادها عباس، الرجل الذي لا مواعيد مقدسة معه، ولا صدقية لانتخابات معروفة النتائج مسبقاً.