قائد الطوفان قائد الطوفان

​الغاز الفلسطيني.. ثروة منهوبة بدون رادع

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الرسالة نت-محمود هنية

تخفي المياه المتلألئة للبحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل الفلسطينية مخزوناً إستراتيجياً من الغاز الطبيعي، أضحى مطمعاً للقريب والغريب، من أجل نهبه وسرقته على عين الشعب الفلسطيني وقواه السياسية بل وسلطته التي يشار إليها بأصابع الاتهام حول تورط بعض مسؤوليها في صفقات بيع للغاز، لا يعرف قيمتها ولا يعرف كم يستفيد منها الفلسطينيون.

صفقة الغاز التي أبرمت بين الأردن و"إسرائيل" مؤخراً، كشفت النقاب عن مشهد جديد من مشاهد الاستباحة العلنية للحقوق الفلسطينية في مواردهم التي يحرمون منها، دون أي صخب من الجهات ذات العلاقة، التي يشار إليها بأصابع الاتهام حول تورط بعضها في هذا الملف، الذي يكاد أن يكون صندوقاً مغلقًا، وفق مصادر مختصة في مجال الغاز.

واكتشفت شركة "برتيش غاز" البريطانية سنة 1999 ما يزيد عن 1,1 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي على بعد 36 كيلومترًا غرب غزة، ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية، موزعة على حقلين أكبرهما "غزة مارين"، والآخر "بوردر فيلد"، وتُقدّر القيمة السوقية للحقلين من 6-8 مليارات دولار أميركي، ولم تبدأ عملها بهما حتى اليوم.

نقيب الجيولوجيين الأردني السابق: الصفقة الأردنية مرفوضة

وفي وقت لاحق من نفس العام نجحت الشركة بحفر بئرين (مارين غزة1، ومارين غزة 2) حيث حددت الكمية الموجودة من الغاز بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي القطاع والضفة لمدة 15 عاماً.

وكانت شركة الكهرباء الأردنية وقعت اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من "إسرائيل" مع شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية المطورة لحوض شرق البحر المتوسط مقابل عشرة مليارات دولار.

وتقضي الاتفاقية بتزويد الشركة الأردنية بـ40% من حاجتها من الغاز "الإسرائيلي" من حقل "لفيتان البحري"، إلى توليد الكهرباء على مدى 15 عاماً، وتبلغ الكميات التي ستستوردها الشركة بدءًا من عام 2019 نحو 225 مليون قدم مكعب يومياً.

ويعتبر هذا الاتفاق الأكبر في العلاقات بين الدولتين، وتبلغ قيمته حوالي 10 مليارات دولار على مدى الـ15 عاماً المقبلة.

وليست هذه هي الاتفاقية الوحيدة التي أبرمت لصفقات شراء الغاز الفلسطيني، بل إن السلطة ذاتها قد أبرمت اتفاق سابق مع شركة فلسطين لتوليد الكهرباء، في الوقت الذي يحرم فيه قطاع غزة أصلاً من الاستفادة من الغاز.

ويعود الربح بموجب هذه الاتفاقات إلى "إسرائيل"، كون أن السلطة الفلسطينية في الأصل لا تملك القدرة على اقتسام العائد من "إسرائيل".

وبحسب تقرير إسرائيلي، فإن شركة بريتيش غاز تمتلك 60? من رخصة حقل غاز غزة، فيما يمتلك صندوق الاستثمار الفلسطيني ما نسبته 10?، بينما تمتلك شركة لبنانية مملوكة لعائلة الحوري ما نسبته 30? من الحقل.

نقيب الجيولوجيين الأردني الأسبق بهجت العدوان، ندد بدوره، باتفاقية الغاز التي أبرمت بين بلاده و"إسرائيل". وقال العدوان لـلرسالة: "إن هذه الاتفاقية مدانة لأنها نوع من أنواع التطبيع مع "إسرائيل"، خاصة وأن الغاز ملك للشعب الفلسطيني وليس لإسرائيل".

وأشار إلى وجود بدائل أخرى كان بالإمكان اللجوء إليها لتوفير مصادر الطاقة للشعب الأردني، موضحاً أن الأردن أنشأ مشاريع عملاقة لتوليد الكهرباء، ستحقق اكتفاء ذاتيًا للبلاد خلال عدة سنوات.

خبير: غاز غزة ملف غامض لغياب الرقابة على السلطة

وبيّن العدوان أن الأردن اتجه إلى إنتاج الكهرباء عن طريق مفاعل نووي، متوقع أن ينتهي إنشاؤه في غضون ست سنوات تقريبًا، إضافة إلى مشاريع أخرى من قبيل الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح التي يتوقع أن تزود 20% من الطاقة في غضون الأعوام الستة القادمة. وتوقع أن يكون الأردن مصدرًا للطاقة في غضون عام 2022م، وعليه فهو ليس بحاجة إلى هذه الاتفاقية.

من جهته، قال معين رجب -الخبير في الشؤون الاقتصادية في جامعة الأزهر: إن ملف الغاز، هو صندوق أسود مغلق، لا يعرف أحد شيئًا عن تفاصيله، التي يحيطها الغموض، بشكل كبير".

وعزا رجب في حديثه لـ"الرسالة"، غياب التفاصيل إلى ضعف الموقف الفلسطيني من جهة، وغياب الجهات المراقبة من جانب آخر. وأوضح رجب، أن ملف الغاز لا يخضع للنقاش الوطني، لمعرفة حقيقة الدور الفلسطيني في الغاز الذي تسيطر على كافة تفاصيله "إسرائيل.

وكان رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، قد صرّح لوكالة "صفا" أن حكومة الوفاق الوطني أعادت التفاوض مع شركة (BG) حول العقد الموقع عام1999م.

وتوّج الاتفاق، وفق مصطفى، بإلغاء الحق الحصري الذي كان ممنوحاً لشركة (BG) باستكشاف وتطوير أية مصادر طبيعية من البترول والغاز في كافة أنحاء فلسطين، بالإضافة إلى رفع نسبة صندوق الاستثمار الفلسطيني من 10% إلى 17.5%.       

ورغم انخفاض قيمة الاستثمار الفلسطيني بالمشروع، توقع مصطفى أن تصل عوائد الحكومة الفلسطينية من إيراداته- في حال تطويره- إلى نحو61 %، وهو ما اعتبره من "النسب المرتفعة مقارنة بمثيلاتها الاقليمية والعالمية".

وكانت نسب توزيع الاستثمار بحقل "غزة مارين" وفق الاتفاق القديم؛ 60% لشركة (BG) بريتش غاز البريطانية، و30% لشركة (CCC) اتحاد المقاولين، و10% لصندوق الاستثمار الفلسطيني.

ورد عليه الكاتب الفلسطيني والمختص في الشؤون الاقتصادية عمر شعبان، بالقول "لم يتم إرساء المشروع بمزاد، بالإضافة إلى أن توزيع الحصص غير منصف لشعبنا"، وتساءل "لا ندري كيف تم التوزيع، وكيف تمت ترسية العطاء وبأي قيمة وبأي شروط".

شعبان: الفصائل مطالبة بتتبع الثروات الطبيعية الفلسطينية

ويؤكد شعبان أن التعديل الجديد للاتفاقية لا يضيف جديدًا، بل يُظهر أن الاتفاقيات تتم بشكل سري في الظلام، وبمعزل عن القنوات التشريعية والرقابية، ويقول: "هم موظفون لدى الشعب الفلسطيني، ولا يملك أحد التصرف بهذه المصادر الطبيعية بمعزل عن المجلس التشريعي".

ويرى أن هناك غيابًا تامًا لمبدأ الشفافية لدى الحكومة الفلسطينية، وخاصة في السنتين الأخيرتين، مطالبًا بتفعيل كل أدوات الرقابة، وإحداث حالة نقاش مجتمعي هادف إلى معرفة الحقائق.

ويتابع "فالسلطة الفلسطينية منذ إنشائها وصلها أكثر من 25 مليار دولار، في حين أنها تعاني من أزمات مالية متلاحقة".

ويلفت إلى أن على القوى الفلسطينية دورًا في تتبع الثروات الطبيعية الفلسطينية، والعمل على إلغاء اتفاقية حقل "غزة مارين"، والنظر في جميع العقود الاحتكارية السابقة، ولاسيما أن القانون الدولي يسمح لكل الدول بفسخ أي عقد ظالم".

البث المباشر