الانتفاضة تتصدى لمشاريع التسوية وسيل مبادرات لاحتوائها

رسمة الفنان مجد الهسي
رسمة الفنان مجد الهسي

غزة-شيماء مرزوق

غيرت انتفاضة القدس التي اندلعت أحداثها قبل عام من الآن الكثير من المعطيات في الواقع الفلسطيني رغم وتيرتها التي شهدت ارتفاعًا وانخفاضًا، لكن الأبرز أنها تأتي بعد سلسلة من الجولات المكوكية والمحاولات الحثيثة لفرض مشروع تسوية على القضية الفلسطينية، خاصة أن العام الأخير شهد الإعلان عن سيل من المبادرات السياسية التي تحاول احتواء حالة الانتفاضة.

ويمكن اعتبار ان الانتفاضة مرتبطة بعملية التسوية بشكل وثيق كون أحد أسباب اندلاعها انسداد الأفق السياسي والذي خلق حالة من الجمود على العملية السياسية، كما تعكس حالة الرفض لمشروع المفاوضات العبثية والتسوية التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية واضاعة حقوق الشعب الفلسطيني، ما جعل المراقبون يؤكدوا ان هذه الانتفاضة تُشكل سدًا أمام فرض أي مشروع تسوية.

وشكلت انتفاضة القدس مصدر قلق كبير للاحتلال الإسرائيلي الذي بقي يعول طوال عشرة سنوات على حالة الهدوء التي تعيشها الضفة الغربية ما سمح له بتكريس سياسة فرض الأمر الواقع من خلال تكثيف الاستيطان حتى ابتلع معظم أراضي الضفة، وعزز وجود المستوطنين الذين باتو يتغلغلوا في مدن الضفة.

وتعتمد سياسة الاحتلال على إنهاء فرص قيام حل الدولتين من خلال اجراءاته وفرض رؤيته للتسوية من جانب واحد والتي يستحيل معها أن يمنح هذا الحل أدنى حقوق للشعب الفلسطيني.

لذا جاءت الانتفاضة لتؤرق الاحتلال الذي عمل طوال السنوات الماضية على تطبيق سياسته وهو مطمئناً لحالة الهدوء في الضفة والتي يعززها التنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.

التجارب السابقة تثبت أن الشعب الفلسطيني مهما صمت فانه يثور حينما يشعر بخطر مشاريع التصفية التي تفرض عليه وذلك تماماً ما جرى في العام 2000 عندما انتفض الفلسطينيون رفضاً للتسوية التي سعى العالم لفرضها عليهم، في مفاوضات كامب ديفيد (تموز/ يوليو 2000)، ورفضاً لأوسلو الذي أدركوا في حينه أنه لم يكن سوى مشروع تخدير يعطي الفرصة لإسرائيل أن تستريح من حالة الاستنزاف التي تسببت بها انتفاضة العام 1987 واعطائها فرصة لفرض وقائع جديدة على الأرض عجزت عن فرضها أثناء الانتفاضة.

كما أثبتت انتفاضة الأقصى أن فترة ما يسمى بالسلام بين الاحتلال والفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو وحتى العام 2000، لم تكن حقيقية وأن الاحتلال استغلها لتحقيق ما عجز عنه خلال سنوات الانتفاضة.

وقد اعتقد الاحتلال انه يمكنه ان يفرض اتفاقات على الفلسطينيين تحت النار وفرض الأمر الواقع، لكن اتضح انه من الصعوبة توقيع اتفاق في ظل الانتفاضة لذا عمل على انهائها، واتخذ رئيس حكومة الاحتلال الأسبق شارون خطوات أحادية بالانسحاب من غزة وإعادة السيطرة على الضفة.

واليوم تتصدى انتفاضة القدس لمشاريع التسوية التي اعتقد الاحتلال انه يمكنه فرضها في ظل حالة الهدوء والتنسيق الأمني الذي استمر لسنوات، ليكتشف أن هذا الهدوء يخفي خلفه غضب وحنق فلسطيني كبير سيهدد أي مشروع تصفية بالفشل.

وبعد فشل خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لاستئناف المفاوضات في إطار ما كان يعرف بـ "اتفاقية الإطار" وفشل المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال وفق إطار زمني محدد ينتهي في عام 2017، بات واضحاً للجميع أن أي عملية تسوية لا مقومات لها على الأرض خاصة ان حل الدولتين الذي تتحدث عنه جل المبادرات أصبح شبه مستحيل.

وقد شهدت العديد من العواصم وتحديداً عمان اجتماعات قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، في محاولة علنية لتصفية الانتفاضة واستعادة حالة الهدوء التي كانت في الضفة خشية تدهور الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

وقد اتخذ الاحتلال بالفعل بعض الإجراءات التي من شأنها أن تخفف من حدة التوتر مثل منع المتطرفين من اقتحام المسجد الأقصى، ومنع الجنود من إطلاق النار خلال المواجهات مع الشبان الفلسطينيين، إلا أن الطبيعة الهمجية للجيش والمستوطنين، إضافة الى كثرة أماكن الاحتكاك بين الطرفين جعلت من فرص المواجهة والاشتعال قائمة.

ولا يمكن فصل سيل المبادرات التي أطلقت خلال العام الجاري من عدة دول عربية وغربية "الفرنسية-المصرية-الروسية-الامريكية-المبادرة العربية "عن الانتفاضة، فقد أدركت كل الأطراف خطورة حالة المقاومة التي تعززت في الضفة على المشاريع السياسية التي حاولت عدة أطراف فرضها.

البث المباشر