نشرت دورية مجلس العلاقات الخارجية "فورين أفيرز" مقالة للزميل الباحث في معهد واشنطن نيري زيلبر، حول ما سمّاها الحرب الأهلية الدائرة في داخل حركة فتح، خاصة في مدينة نابلس.
ويقول الكاتب: "في الساعات الأولى من صباح 23 آب/ أغسطس اعتقلت قوات الأمن التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية أحمد حلاوة، وتعرض الرجل البالغ من العمر 50 عاما أثناء اعتقاله للضرب حتى الموت، وأدى هذا الحادث إلى حالة غضب داخل مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، مدينة حلاوة التي خرج فيها الآلاف إلى الشوارع، للمشاركة في جنازته، وهتفوا بشعارات ضد السلطة الوطنية، وواجهوا القنابل المسيلة للدموع، التي أطلقتها قوات الأمن".
ويضيف زيلبر: "وفاة حلاوة تحيط بها الكثير من الشائعات والتلميحات، ففي رواية الحكومة، فإن حلاوة كان (مجرما خارجا عن القانون)، ومسؤولا عن قائمة طويلة من الجنايات، بما فيها (تدبير) عملية إطلاق النار على أربعة ضباط من قوات الأمن الفلسطينية، أما بالنسبة للآلاف ممن بكوا عليه، فإن حلاوة كان سمسارا مسالما، وبحسب رواية أخرى، فإنه كان يجمع الأسلحة؛ لتجنب اندلاع حرب عشائرية مكلفة".
وتنقل المجلة عن مصدر في رام الله، قوله: "إن سألتَ عشرة أشخاص عن (قضية نابلس) فإنك ستتلقى عشر إجابات مختلفة"، مستدركة بأنه "رغم ذلك، فإن هناك أمرين واضحين ومؤكدين في قضية حلاوة: ظل حتى وفاته شرطيا أمضى وقتا طويلا في جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية، والمسؤول عن مقتله، أما الأمر الآخر فإنه كان قياديا بارزا في (كتائب شهداء الأقصى)، الجناح المسلح في حركة فتح، التي تسيطر على السلطة الفلسطينية. وعليه فإن السؤال قائم عن السبب الذي يدفع حركة فتح إلى استهداف أحد أبنائها البارزين".
ويقول الكاتب: "للحصول على الإجابات لا بد من معرفة السياق، فمدينة نابلس تقع وسط سلسة جبلية من الحجر الأبيض، وحصلت على لقب (جبل النار)، أما الجيش الإسرائيلي فأطلق عليها اسم (عاصمة الإرهاب) في الضفة الغربية؛ بسبب العدد الهائل من الاعتداءات التي انطلقت منها خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)".
ويعلق زيلبر قائلا إن "حلاوة كان بالتأكيد متورطا في هذه العمليات، بصفته قائدًا في كتائب شهداء الأقصى، لهذا أصبح رجلا مطلوبا في إسرائيل، حتى إعلان الأخيرة إعفاء عاما عن مقاتلي فتح في نهاية الانتفاضة، وبعد ذلك، انتهى زمن كتائب شهداء الأقصى ظاهريا، حيث انضم عدد من عناصرها إلى قوى الأمن الفلسطيني، وأصبح آخرون موظفين في السلطة".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "هذه المجموعة لم تتخل بشكل كامل عن السلاح، وبنت جيوبا من النفوذ في عدد من مخيمات اللاجئين في الضفة، بما فيها مخيم بلاطة، على ضواحي نابلس وفي المدينة القديمة، وظلت قوى الأمن الفلسطيني لسنوات تعد هذه المناطق أراضي خارجة و(محظورة) عليها لا تستطيع دخولها؛ بسبب قدراتها العسكرية المتواضعة، إضافة إلى انتماء مجموعات عدة فيها لحركة فتح".
ويقول زيلبر: "مثلما تحدث مسؤول أمريكي في القدس في إحدى المرات، فإن البعض في السلطة الفلسطينية اعتبروا مقاتلي حركة فتح السابقين (احتياطا استراتيجيا) في أي نزاع مستقبلي مع إسرائيل".
وبحسب المجلة، فإن "تقارير صحافية تشير إلى أن قوى الأمن الفلسطيني، والعناصر المسلحة في نابلس، بدأت المواجهات في بداية عام 2015، وكان لا بد من مواجهة قوى الأمن الفلسطيني، التي تتصرف بحزم أكبر خلال عمليات توقيف المطلوبين، خاصة داخل مخيم بلاطة، إلا أنه من النادر ما انتهت العمليات بإطلاق الرصاص من كلا الطرفين وسقوط قتلى، حيث كان يتم التوصل في معظم الأحيان، إلى حل بالوساطة، وهو ما يدل على أن الخلافات كانت داخلية في حركة فتح، لكن شيئا ما تغير في الصيف الماضي."
ويقول الكاتب: "وجاء الحدث المفاجئ في أواخر حزيران/ يونيو، عندما قام مسلحون بإطلاق النار أمام منزل أحد ضباط الأمن الفلسطيني في نابلس، وهو ما أدى إلى جرح زوجته وابنته، وقتل عنصرين آخرين أطلقا النار".
ويضيف زيلبر أنه "بحسب الشائعات، فإن هذا الحادث كان نتيجة لخلاف محلي بين العائلات على كشك في سوق المدينة القديمة، وردت قوى الأمن الفلسطيني بشن غارة على الأزقة الضيقة في المدينة القديمة، في آب/ أغسطس، وتم نصب كمائن لها، فقتل عنصران إضافيان، وفي الليلة التالية، شنت غارة أخرى أقوى من الأولى، وقتل فيها مسلحان كانا مطلوبين، أحدهما ابن أخ حلاوة الشاب، وبعد أيام، ألقي القبض على حلاوة حيا في عملية لاحقة، ثم قتل".
ويعلق الكاتب قائلا إن "العملية كانت بشكل عام واحدة من أكبر العمليات الأمنية التي قادتها قوى الأمن الفلسطيني في تاريخها؛ فقد تم حشد كتيبة إضافية إلى قوى الأمن الوطني شبه العسكرية المتمركزة في نابلس، وتدفقت القوات من مدينة طوباس المجاورة، وتم نشر وحدة شرطة للعمليات الخاصة، بالإضافة إلى نشر عملاء من مختلف الخدمات الاستخباراتية".
وتلفت المجلة إلى أنه "بعد عملية القتل، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وبسرعة، صور جسد حلاوة، الذي تعرض للضرب بوحشية، وهو ما أثار الحنق العام، وكان رد السلطة الفلسطينية هو الإعلان عن إنشاء لجنة تحقيق حكومية للتحقيق في الحادثة، فيما أكد محافظ نابلس أكرم الرجوب، أن حلاوة كان مجرما، لكنه أقر في حديث مع صحيفة (نيويورك تايمز) أن (قتله كان خطأً بالطبع)، وقال: (ما كان على العناصر أن يتصرفوا بهذه الطريقة)، ويبدو أن معظم الفلسطينيين يوافقون على هذا الرأي".
ويبين زيلبر أنه "بعد فترة قصيرة من مقتل حلاوة، قال رئيس إحدى المجموعات في مخيم بلاطة تيسير نصرالله، الذي يتميز بعلاقاته الواسعة إن (الناس غاضبون)، وقال: (قد تكون هنا عصابات، لكن تصرف السلطة لم يكن حكيما، وكان يشبه تصرف العصابات)، ويدعم نصرالله، مثل كثيرين في نابلس، ما دعا إليه رئيس السلطة محمود عباس (استقرار الأمن)، أي المبدأ الفلسطيني المراوغ، الذي يدعو إلى (سلطة واحدة، بندقية واحدة)".
وينوه الكاتب بأن "عصابات عناصر (الأقصى) السابقين مسلحة، وفي أكثر من حالة فإنها مسلحة بشكل أفضل من قوى الأمن، وإذا صدقنا رواية الحكومة الرسمية، فإن هذه العصابات متورطة أيضا بتجارة الأسلحة، وتهريب المخدرات، وابتزاز الأموال، وأنشطة جنائية أخرى، وقال أحد رجال الأعمال المعروفين في نابلس: (لا يعارض أحد تعامل السلطة الفلسطينية مع مشكلة غياب القانون والجريمة.. ويجب ألا يكون هناك حصر على نشاطات الشرطة، لكن الوضع لا يجبر أحدا على الاختيار بين الأمرين".
ويورد زيلبر أنه "إزاء هذا الوضع وجد الرجوب، وهو أيضا رئيس استخبارات سابق في السلطة الفلسطينية، أن هناك ضرورة للتعامل مع هذه العقدة الأمنية، وما تحمله من تداعيات سياسية ودولية كبيرة، وتسلم الرجوب منصبه بعد أسبوع من دفن حلاوة، ولهذا كان مصمما على فرض القانون والنظام، وتنظيف الشوارع من الأسلحة غير الشرعية".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الضفة الغربية تعج بالبنادق التي صنع الكثير منها محليا، واستخدم البعض منها في اعتداءات إرهابية ضد الإسرائيليين، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي لإطلاق حملة واسعة في الأشهر الأخيرة للتخلص من ورش العمل التي تصنع فيها هذه الأسلحة، ومع ذلك، فإن الفلسطينيين عادة ما يحتفظون بالأسلحة لأسباب شخصية، كالاحتفال بزفاف أو عيد ميلاد أو تخرج، أو لتأمين الحماية في حال حصول خلاف عائلي أو جريمة عامة، وحتى الآن، لم يستخدم الرجال المنتمون لحركة فتح أسلحتهم ضد إسرائيل، رغم زيادة الاضطرابات في القدس والضفة الغربية السنة الماضية".
وبحسب المقال فإن "الرجوب لم يشر إلى أن عملية آب/ أغسطس هي جزء من تحقيق (الالتزامات الجهوية)، في إشارة إلى التنسيق بين جهاز الأمن في السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولا يبدو أن هذا هو السبب الرئيسي لملاحقة الأسلحة غير الشرعية أو ملاحقة حلاوة، إلا أن ما تعرضت له قوى الأمن الفلسطيني وقتل عناصرها كان سببا رئيسا للاضطراب، ويقول الرجوب إن (هذا كان تحديا لقوة السلطة الفلسطينية وصورتها في نظر الشعب)، ومن هنا كان على السلطة الفلسطينية أن ترد".
ويقول زيلبر إن "السلطة الفلسطينية غضت الطرف لمدة طويلة عن انتشار الأسلحة بين الرجال المنتمين لحركة فتح، وتصرّفت بتحفظ إزاءها، لكن مع مقارنة العصابات المسلحة في نابلس مع مقاتلي حركة حماس، وهي الخصم الإسلامي للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، فإن الرجوب ومصادر أخرى في نابلس اعترفوا أن واحدا من الأسباب التي دفعت إلى الرد القوي ضد حلاوة كان سياسيا، وقال الرجوب: (في حالة حركة حماس كانت هذه أسلحة سياسية، وتم استخدامها بشراسة ضد حركة فتح في 2007، عندما طردت حركة حماس السلطة الفلسطينية بقوة السلاح من قطاع غزة)، وبدأت السلطة الفلسطينية، بمساعدة الإسرائيليين، بحملة واسعة على حركة حماس في الضفة الغربية منذ سنتين على الأقل، وكانت النتائج إيجابية، ومن وجهة نظر السلطة الفلسطينية، يبدو أن خطرا سياسيا إضافيا لاح في الأفق، ينبع هذه المرة من داخل حركة فتح".
وتذكر المجلة أنه "بحسب نصر الله في بلاطة، فإن السلطة الفلسطينية خائفة من هذا (الوحش) الذي يدعى دحلان، فمحمد دحلان هو مسؤول سابق رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، وقائد أمني سابق في غزة، عاش لسنوات عدة في المنفى في الإمارات العربية المتحدة، بعد خلاف علني مع عباس، لكن مع أموال الخليج العربي، والعلاقات الدولية رفيعة المستوى، الأمريكية والإسرائيلية كما يظن البعض، وكان دحلان يخطط بقوة لعودته، وفي الأشهر الأخيرة، أكدت تقارير عدة أن (الرباعية العربية/ أي مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) كانت تضغط على عباس للتصالح مع دحلان، ورفض الأخير الأمر، حتى أنه أعرب بقوة، وبشكل علني في وقت مبكر من الشهر الماضي، عن معارضته لما وصفه بالتدخل الأجنبي في الشؤون الفلسطينية الداخلية، وقال في خطاب منفعل في رام الله: (حررونا من أصحاب النفوذ ومن أموالهم ومن نفوذهم، نريد أن نعمل بصفتنا فلسطينيين من غير أي تدخل)".
ويكشف الكاتب عن أن دحلان قام بتمرير الأموال إلى مخيمات اللاجئين والأماكن الأخرى، التي تعاني من نقص الخدمات؛ كون ذلك وسيلة لزيادة نفوذه على الأرض، مشيرا إلى أنه في المقابل تصرفت السلطة بطريقة معادية للأفراد الذين يعدون مقربين من دحلان، بمن فيهم شركاء حلاوة المعروفين، ففصلتهم من حركة فتح وقوى الأمن الفلسطيني.
ويرى زيلبر أنه "ربما كان شبح حلاوة، أحد القادة المحليين في حركة فتح، وهو يجمع الأسلحة، فيما يتزايد الضغط الدولي على عباس للسماح لدحلان بالعودة، له تأثير كبير في شرح حادث القتل الذي وقع في نابلس في النهايةـ واعتقد أحدهم في السلطة الفلسطينية أن خطرا سياسيا بدأ يتشكل في المدينة القديمة، سواء كان ذلك حقيقيا أم خياليا".
ويقول الكاتب إنه "منذ دفن حلاوة الصاخب، تراجعت الإضرابات في نابلس بشكل ملحوظ، حتى أنه بعد أسبوع من الحدث، عادت الحياة في وسط المدينة إلى طبيعتها، ويعود الفضل إلى حد كبير إلى دفع رواتب الموظفين قبل عطلة عيد الأضحى، ولم يظهر حضور واضح لقوى الأمن المتمركزين في المدينة القديمة إلا نادرا، وفي مبنى الحكومة المتداعي، حيث مكاتب المحافظ، لا تبدو قوى الأمن حساسة بدرجة كبيرة، حتى منزل عائلة حلاوة، الذي يقع في قلب المدينة القديمة، يتعرض لعملية إعمار، بمساعدة السلطة الفلسطينية، بحسب بعض التقارير".
ويذهب ريبلر إلى القول: "يبدو أن كلا من السلطة والرجال المسلحين السابقين في (كتيبة شهداء الأقصى) اتخذوا خطوة إلى الوراء، منعتهم من صدام أكبر، وكما قال مرة مقاتل سابق في حركة فتح كان مقربا من حلاوة: (عندما تتعرض حركة فتح للضغط، تتصرف بطريقة أفضل)".
ويخلص الكاتب إلى القول: "من هنا، فإن الاستقرار في الضفة الغربية، بالإضافة إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، يعتمد على كيفية تعامل حركة فتح مع هذه الحرب الأهلية المحتومة".
عربي 21