تفاجأ عدد كبير من المعلمين وأولياء الأمور من حجم الأخطاء الفادحة في المنهاج الفلسطيني الجديد، والتي كان أبرزها الخطأ في مواقع المدن الفلسطينية على خريطة فلسطين المنشورة في كتب التربية الوطنية في الصف الثاني، حيث وضعت مدينة بيت لحم بالضفة المحتلة على شاطئ البحر بدلاً من قطاع غزة الذي وضع مكانها.
وضم كتاب التربية الدينية رسومات مخيفة تمثلت في المرأة الساحرة والمشعوذة، عدا عن الأخطاء في أسماء سور القرآن الكريم، ووجود أكثر من 150 خطأ وملاحظة في كتاب الرياضيات.
كل ما سبق كان بداية الخيط الذي دفع "الرسالة"، للوقوف على أسباب هذا الكم من الأخطاء "اللامنطقية" والغريبة في المناهج، سيما وأن قانون التعليم رقم (1) لسنة 2013م وفق المادة (32) في البند الأول نصّ على أن تُحدد أسس المناهج والكتب المدرسية من حيث التأليف والترجمة والاختيار والتطوير والمراجعة بموجب أنظمة تصدر عن الوزارة، فيما نص البند الثاني على ضرورة أن يراعى تجسيد المناهج للفلسفة المجتمعية المحمية المرتبطة بالدين والقيم والعلم والحديث والابداع.
أخطاء غريبة
عدد من المعلمين في المدارس الابتدائية بقطاع غزة اشتكى في مقابلات منفصلة أجراها معد التحقيق من المنهاج الجديد الذي أقرته وزارة التربية والتعليم للصفوف الأربعة الأولى من المرحلة الابتدائية هذا العام، واستغربوا كم الأخطاء الواردة فيه.
وتقول المعلمة تهاني أبو جاسر: إن "الطلاب يواجهون صعوبة في دارستهم للمنهج نتيجة الكم الهائل من المواضيع وزخامته، الأمر الذي يعد ثقلا كبيرا على الطلاب ويحتاج لمتابعة مكثفة".
وأوضحت أن المنهاج الجديد تسبب بحرمان الطلاب من حصة الرسم والرياضة نتيجة كبره وزيادة عدد صفحاته، مما دفعها للسرعة في شرح الدروس قبل انتهاء الفصل الجاري.
ولاحظ معد التحقيق خلال مقارنته المنهاج الجديد بالقديم أن عدد صفحات الكتاب في المنهاج الجديد وصلت لـ 156 صفحة في المادة الواحدة، فيما بلغ عدد الصفحات في المنهاج القديم 95، عدا عن حجم الخط، ففي الكتاب الجديد أصغر من حجم الخط في القديم.
السرعة الكبيرة في إعداد المنهاج تسببت بوجود كم كبير من الأخطاء
ونتيجة لذلك، فإن حجم المحتوى في الكتاب الجديد يكافئ تقريباً ضعفي محتوى الكتاب القديم، بينما ازدادت حصص الرياضيات حصة واحدة لتصبح ست حصص للكتاب الجديد مقارنة بخمس حصص للكتاب القديم، وهو ما أكدته لنا الوزارة في غزة.
وكانت وزارة التربية والتعليم العالي قد أصدت قرارا بتطوير المنهاج التعليمي للصفوف الأساسية الأولى نهاية العام الماضي، حيث جرى تغيير المنهاج من الصف الأول الابتدائي وحتى الرابع كمرحلة أولى على أن يشمل تغيير المنهاج باقي المراحل الأساسية.
وتضيف معلمة الصف الثاني الابتدائي في أحد مدارس الأونروا، أن حجم الأخطاء كبير في المنهاج، الأمر الذي يتسبب في إرباك ذوي الطلاب، متسائلة "من سمع بسورة الصمد من قبل في القرآن الكريم؟".
ويشار إلى أنه تم تسمية سورة الإخلاص بصورة الصمد في كتاب التربية الإسلامية في الصف الثاني الابتدائي.
ويرى معلم الصف الأول الابتدائي محمد رزق أن المنهج الجديد في مبحث اللغة العربية ألغى الدروس واعتمد فقط على الحروف وكتابتها، مشيرا إلى أن واضعي المنهاج بدلوا الأخطاء بأخطاء.
ويتوقع المعلم رزق في حديثه لـ "الرسالة" أن واضعي المنهاج الجديد لم يطلعوا على المنهاج القديم ويقيموه، كي يضعوا آلية تدريس صحيحة لتلافي الأخطاء.
ويلفت إلى أن المنهاج الجديد يعتمد في جله على الإلكترونيات والحاسوب فيما يهمل بشكل أساسي الكتابة.
سرعة كبيرة
ورغم ما سبق، فمن وجهة نظر المعلمة إيمان أبو شكيان فإن المنهاج يحتوي على كثير من الأمور الايجابية والأساليب الحديثة، مع وجود بعض السليبات والأخطاء فيه، كما تقول.
وفي إطار بحث معد التحقيق عن واضعي المنهاج ومحاولة الوصول لهم، تمكن من الوصول لبعضهم بعد أسبوع من المحاولة ورفضهم القاطع للحديث.
ويقول أحد المشاركين في وضع المنهاج الجديد: "إن السرعة الكبيرة في إعداد المنهاج وضغط الوقت وعدم الإعداد الجيد وعدم المراجعة؛ تسبب بوجود هذه الأخطاء في المنهاج".
ويؤكد الدكتور المشارك الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن إعداد المنهج جرى دون وجود أي تنسيق بين فرق العمل في المباحث المختلفة، الأمر الذي يخالف شروط وضع المناهج.
المنهاج افتقر إلى وجود وثيقة الإطار المرجعي التي يبنى عليها بشكل سليم
ولفت إلى أنه لم يتم إشراك جميع شرائح المجتمع في وضع المنهاج وتقييمه ومراجعته نتيجة سيف الوقت المسلط على رقاب واضعيه، قائلاً: "لدينا الكثير من الملاحظات على المنهاج لكننا لا نستطيع الإدلاء بها نتيجة القيود المفروضة علينا كواضعي منهاج".
وشدد على أن إعداد المنهاج لم يأخذ الوقت الكافي واقتصر إنجازه على خمسة أشهر فقط، وهو ما يخالف حديث وكيل الوزارة في رام الله بصري صالح الذي أكد أن فترة إعداد المنهاج وصلت لقرابة عام ونصف.
ويقول صالح في حديثه لـ "الرسالة": إن المنهاج صممه مجموعة من الخبراء في الضفة الغربية وقطاع غزة ومشهود لهم ولخبرتهم في المجالات التي يعملون فيها، بناءً على إطار عام وضح أسسه وهذا لأول مرة يوضع في فلسطين".
وعن وجود هذا الكم من الأخطاء، أوضح صالح أنه من الطبيعي وجود أخطاء في المنهاج، مبينا أن أي خطأ يكتشف يجري دراسته من اللجان المختصة ويخضع للتعديل بشكل مباشر.
ويبرر وكيل تعليم رام الله وجود خطأ في توزيع المدن الفلسطينية على خارطة فلسطين في كتاب التربية الوطنية بأنه خطأ مطبعي وجرى تعديله على الفور قبل طباعة باقي الكتب.
ويلفت صالح إلى أن المنهاج بشكله الحالي هو تجريبي، ومعرض للكثير من الإضافات والملاحظات بناء على ما يجري داخل غرفة الصف المدرسي والتقييم النهائي للمختصين.
ضيق الوقت
وهنا استغرب وكيل الوزارة في قطاع غزة د. زياد ثابت من حديث صالح، متسائلاً: " كيف للمنهاج أن يكون تجريبيًا بعد أن طُبق على كل المناطق، التجريبي فقط يُجرى على عينة من المدارس ولا يتم تعميمه على كافة المدارس".
وأوضح ثابت في مقابلته مع "الرسالة" أن المنهاج الجديد لم يأخذ الوقت الكافي لإعداده وجرى وضعه من فِرَق لم يجرِ تدريبها بشكل جيد ودون وجود أي تنسيق بينها، عدا عن افتقاره لتنقية المحتوى وعرضه بالشكل المناسب على جميع شرائح المجتمع.
ويشترط عرض وثيقة الإطار المرجعي التي تسبق وضع المنهاج الجديد وتوضع من قبل وزير التربية والتعليم، على كافة شرائح المجتمع من مشرفين ومعلمين ومدراء وأولياء أمور ومختصين في التربية.
تعليم رام الله يتعمد تجاهل الوزارة بغزة ولا يأخذ بتوصياتها
وأرجع وجود هذا الكم الكبير من الأخطاء إلى عدم اطلاع معدي المناهج على وثيقة الإطار المرجعي التي تتناسب لعرض وإعداد المنهاج بالشكل السليم والمنطقي.
وتحتوي وثيقة الإطار المرجعي على الأسس التي تبنى عليها المناهج، منها الأساس الفكري والمعرفي والاجتماعي والنفسي والفكري التي توضح شخصية الطالب بعد تخرجه من الإطار العام، بالإضافة إلى الأهداف العامة التي تبنى عليها المناهج بالتوافق الوطني قبل أن تعرض على الجمهور ومؤسسات التعليم العالي والمؤسسات المحلية وأصحاب العلاقة، وذلك تعريف وزارة التربية والتعليم.
ويؤكد ثابت أن الإطار المرجعي لم يأخذ الآليات المناسبة لوصولها للصيغة النهائية أو التوافق عليها وطنينا، مبينا أن فرق تطوير المناهج وتطوير الكتب لم تطلع على الوثيقة وطلب منهم تجهيز المنهاج في غضون ثلاثة أشهر فقط.
وأشار إلى أن الوزارة برام الله لم تأخذ بملاحظاتهم بالشكل المطلوب، لافتا إلى أن وزارته بغزة شاركت في المنهاج رغم ضيق الوقت حتى لا تتهم بتعطيل عملية تطويره. ورداً على حديث وكيل وزارة رام الله صالح بأن وجود الأخطاء طبيعي في المنهاج فإن ثابت قال إنه "لا يمكن تبرير وجود هذا الكم الكبير من الأخطاء وهي غير مقبولة".
وأكد أن إعداد المنهاج جاء تحت ضغط قرار سياسي على واضعيه من الوزارة برام الله، دون أن يأخذ الوقت الكافي والمناسب لوضعه ومراجعته.
ذات الأمر أكدته سمية النخالة مديرة المناهج بوزارة التربية والتعليم العالي بغزة، التي اعترفت بعد رفضها المطلق للحديث مع معد التحقيق أن زيادة الأخطاء يرجع لضيق الوقت، موضحة في حديثها لـ "الرسالة" أن وثيقة الإطار المرجعي الخاصة بالمنهاج الجديد لم تعرض على المجتمع ككل وجرى عرضها فقط على فئات معينة.
وتُرجع النخالة وجود الأخطاء إلى صعوبة التواصل بين الوازرة في رام الله وغزة بسبب الاحتلال والاكتفاء بالتواصل عبر الايميلات والمراسلات الالكترونية دون الاجتماع بشكل كامل بين طاقم الوزارة في شقي الوطن.
أخطاء طباعية
معد التحقيق حاول الوصول إلى أحد أعضاء فريق منهاج كتاب الرياضيات الذي كان له النصيب الأكبر من كم الأخطاء والملاحظات التي تجاوزت الـ 150 خطأ، حيث قالت حنان أبو سكران عضو فريق وضع منهاج الرياضيات والمحاضرة في جامعة القدس: إن "الأخطاء عموماً طباعية وليست في المحتوى، وذلك يعود إلى السرعة التي تم فيها إعداد المنهاج".
وأكدت أبو سكران لـ "الرسالة" أن المعايير التي وضعها فريق إعداد المنهاج جاءت بناءً على الخطوط العريضة للمنهاج الفلسطيني السابق والمعايير الدولية. وأشارت إلى أن فريقها بذل جهودا حثيثة في وضع المنهاج، منوهة إلى أنه منهاج تفاعلي ويركز على التعلم النشط ويراعي البيئة الفلسطينية ويوظف طرق تدريس متنوعة.
إعداد المنهاج لم يأخذ الوقت الكافي واقتصر على خمسة أشهر
واستغربت أبو سكران من النظرة السلبية للمنهاج دون النظر بإيجابية لمحتواه الجديد والثري بالمواد المتنوعة. وبالعودة إلى وكيل الوزارة برام الله بصري صالح فإنه يؤكد مراجعة وزارته للأخطاء والملاحظات، التي في مجملها اجتهادات ورؤى لشخص معين، على حد وصفه.
واختتم حديثه بالقول: "القاعة الدراسية هي الغرفة الحقيقية لفحص المنهاج وكل ما جرى الحديث عنه حول المنهاج الجديد كلام نظري واجتهادات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة".
بدوره، يرى الخبير في المناهج ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الأقصى إياد عبد الجواد، أن المنهج الجديد اعتمد على الأساليب المتنوعة في الطرح، واستخدم التطورات التكنولوجية الحديثة بخلاف القديم.
وأكد عبد الجواد لـ "الرسالة" أن المنهاج القديم والذي دُرس على مدار الـ 16 عاماً، أصبح يفتقر للكثير من المهارات التعليمية، مما دفع وزارة التربية والتعليم لتطويره.
وأشار إلى أن السرعة الكبيرة في إعداد المنهاج بخلاف القديم الذي أخذ إعداده وقتاً أطول تسبب بوجود أخطاء، مشيراً إلى ضرورة معالجتها في النسخة النهائية للمنهاج كون الوزارة أعلنت أنه تجريبي. ولفت عبد الجواد إلى أن زيادة صفحات المنهاج الحديث مقارنة بالسابق يرجع إلى إضافة أساليب تدريسية متنوعة وإضافة مهارات جديد تفيد الطلاب.
تجاهل غزة
واستدعى الأمر طرق باب المجلس التشريعي؛ للحديث إلى اللجنة التربوية حول المنهاج الجديد، حيث أكد عضو اللجنة النائب يحيى موسى أن وزارة التعليم في رام الله تتعمد تجاهل الوزارة في غزة وعدم إشراكها في القرارات لفرض رؤيتها ومنهاجها من طرف واحد.
وأشار إلى أنه من المفترض تقييم ومراجعة المنهاج قبل أن يطبق في كل المناطق؛ لتلافي الأخطاء، من أجل الوصول لمنهاج سليم يؤسس العقل الفلسطيني المتين ويبني مهاراته وقدرته.
وعن دورهم الرقابي في المجلس التشريعي كلجنة تربوية، أكد النائب موسى أن الانقسام المفروض من رام الله عطل عملهم الرقابي على الأداء الحكومي، مشددا على أنهم ينتظرون الدراسة التفصيلية من وزارة التعليم في قطاع غزة حول المنهاج الجديد؛ للنظر فيه واتخاذ موقفهم اتجاهه.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن سيف الوقت ذبح المنهاج الجديد وتسبب في وجود أخطاء بالجملة فيه، الأمر الذي يتطلب مراجعته بشكل دقيق وإعادة تقييمه بالشكل السليم، لتجنب مشاكل سيكون ضحاياها طلاب الشعب الفلسطيني وأجيال المستقبل.