المنهاج الفلسطيني معقد وطويل بانتظار حلول

غزة- عدنان نصر- الرسالة نت

تصبب  عرق غزير من الطالبة شروق ذات السبعة أعوام بينما كانت عائدة من مدرستها، فحقيبتها التي حملتها على كتفيها أثقلت خطواتها الصغيرة، بعد أن استلمت الكتب الجديدة، ما منعها من الركض فرحا عند عودتها للبيت كالأيام الأولى من بدء العام الدراسي الجديد.

وخلعت شروق حقيبتها بمجرد وصولها للبيت، وألقتها في أحضان والدها ، وانتحت جانبا لتحظى بقسط من الراحة، وتستجمع قواها الخائرة وأنفاسها المتقطعة.

طويل ومعقد

ومد الوالد يده الى الحقيبة التي أرهقت طفلته الصغيرة، فتعجب من الكتب الكثيرة التي لم يعهدها عندما كان طالبا بسن ابنته.

زفر الوالد بضيق، فابنه البكر أحمد رسب العام الماضي، لطول المنهاج وصعوبة بعض المواد، لاسيما اللغة الانجليزية، ويقول أبو أحمد الأب لثلاثة طلاب في المرحلة الابتدائية : المنهاج معقد وطويل، ولا يقدر أبنائي على استيعابه بالدرجة المطلوبة، مشيرا الى أن المدرسين غير مؤهلين لتدريس مثل هذا المنهج الصعب الذي لا يتناغم مع قدرة الطلاب.

وتوجه نحو 450 ألفا طالب وطالبة في قطاع غزة إلى مدارسهم، إضافة إلى 11 ألف معلم ومعلمة مع مطلع العام الدراسي الجديد.

ويساور القلق الطالب مروان المصري- الذي ترفع إلى الثانوية العامة- الفرع العلمي من مادتي الرياضيات والتكنولوجيا، فالمدرسة لم تخصص إلا حصة واحدة للتطبيق العملي لمبحث التكنولوجيا العام الماضي، مشيرا إلى أن عدد الطلاب كان يتجاوز الـ 45 طالبا، موزعين على 25 جهاز حاسوب، يتناوب كل طالبين على جهاز واحد.

وتعتبر مادة التكنولوجيا المشكلة الأساسية التي حطت على حقل التعليم منذ تطبيق المنهاج الفلسطيني بين شطري الوطن، بسبب غياب التطبيقات العلمية، وقلة أجهزة الحاسوب المتواجدة في مختبرات المدارس، ولهذا السبب اضطرت وزارة التربية والتعليم الى إلغائها قبل عام، وحذفت بعض الوحدات.

ويخشى المصري أن يتدنى تحصيله العلمي بعد  النقد اللاذع الذي وجهه طلبة الثانوية العامة لتلك المادة في الامتحانات السابقة، ولا يلوم الطالب المدرسين وانما وجه نقدا لوزارة التربية والتعليم لعدم تقدمها بخطوات سريعة لتطوير المنهاج.

وينتقد والده المنهاج بسبب الكم الكبير، والمضمون المتكرر في الوحدات، الذي يشكل  عبئا على الطالب خاصة في التكنولوجيا واللغة الانجليزية، ويقول : الحل لتلك الورطة فقط بالدروس الخصوصية، فالمدرس ليس لديه متسع في المدرسة لشرح الأمور بحذافيرها، وعليه إنهاء المنهاج الطويل.

التعديل ضروري

وخلال الأيام الماضية كشف الدكتور محمد عسقول وزير التربية والتعليم في حفل تكريم لوسائل الإعلام عن وجود مشاكل في المنهاج الفلسطيني، لافتا أن الانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية أعاق إحداث التطويرات المطلوبة.

وقال عسقول لـ" الرسالة": أجرينا بعض التعديلات البسيطة التي لا تشكل خطورة على أبنائنا لكن أية تغيرات أساسية تحتاج إلى وفاق ولا يمكن عمل منهاج في غزة يساهم في صياغة الشخصية الغزوية وفي رام الله نفس الشيء وبالتالي تذوب الشخصية الفلسطينية.

ويصف خليل لبد أستاذ مادة الرياضيات في مدرسة غزة الجديدة المنهاج بالدسم، و يحتاج وقتا طويلا، مشيرا إلى أن الوزارة حذفت بعض الوحدات غير المرتبطة بمناهج الرياضيات للأعوام الدراسية المقبلة.

ولم يقلل د. خليل حماد مدير دائرة المناهج التعليمية بوزارة التربية والتعليم من المنهاج الفلسطيني وقال لـ " الرسالة": المنهاج مشروع وطني كبير أعد من خلال لجان متخصصة، ومؤهلة على مراحل متعاقبة قبل عامين، وبني على أسس فكرية ومعرفية واجتماعية.

ويقول لبد: الرياضيات مادة مجردة (..)، يفترض إعداد ورشات عمل ، ووسائل تعليمية لتبسيطها، مؤكدا أنها مادة متراكمة يعتمد شرحها على سنوات، ومع ذلك يستطيع المدرس معرفة النقص عند الطالب من خلال قياس قدراته في بداية العام  و معرفة احتياجاته ومعالجته خلال الفصل الدراسي.

وتعتبر المعادلات التربيعية "التحليلية" من أصعب المواد التي أضيفت للمنهاج الجديد فهي تعتمد على كم هائل من المعلومات الحسابية، فطلاب الأول الإعدادي يعانون من تلك المعادلات- حسبما يشير لبد.

ويشير حماد إلى أن المنهاج حقق أهدافا سامية في توحيد المناهج التعليمية بين شقي الوطن، وواكب النمو السكاني، وأحدث نهضة منشودة تناغم التطورات والتقنيات الحديثة التي تصقل موهبة الطالب الفلسطيني لتلبي احتياجاته المستقبلية.

وبحسب لبد - فإن هناك جوانب عديدة ينبغي حذفها من المنهاج، موضحا أن التخصص في الدول الأجنبية من السمات الحسنة الذي يركز اهتمام الطالب في جانب معين، بدلا من تحميله مواد إجبارية لا يطيقها، داعيا أولياء الأمور للاهتمام بأبنائهم المقصرين، وتعيين مدرسين لهم خارج المدرسة لمتابعة أحوالهم.

وأوضح أن الوزارة استبدلت كتاب التكنولوجيا للثانوية العامة بكتاب ملائم لمستوى الطلاب سيتم تداوله في الضفة الغربية والقطاع، كما تبنت مشروع تحسين  الكتب المدرسية خاصة في مادتي العلوم والرياضيات.

شماعة الانقسام

وتبحث وزارة التربية والتعليم عن حلول بعيدة عن الحث العشوائي الذي يؤثر على المنظومة التفاهمية الموجودة بالمنهاج، فهناك دراسة جادة للموضوعات المتكررة التي يمكن حذفها في ضوء توافق وطني- كما يقول حماد.

ويقول أحد المدرسين رفض الكشف عن هويته لـ"الرسالة": مشكلة المنهاج أنه استغرق وقتا طويلا وطبق بسرعة في البيئة المدرسية غير الملائمة لتنفيذ خطط المنهاج، ما أربك العملية التعليمية برمتها.

وأثار ذلك القول استياء مدير دائرة المناهج التعليمية الذي وصفه بغير الدقيق، مشيرا إلى أن المنهاج الفلسطيني طبق على عينة عشوائية وقصدية قبل أن يعمم على المدرسين (..)، وقال : نحن بصدد التطوير وسننجح كما نجحنا في بناء المنهاج ولكن التطوير يحتاج لفترة زمنية، وإمكانيات مادية، وتواصل بين رئتي الوطن، مشيرا إلى أن الوزارة قدمت أكثر من مشروع للدول المانحة ولم توافق عليه حتى اللحظة.

وأكد أن المنهاج سيشهد عملية تطويرية تتعلق بإعادة النظر في طول المباحث التعليمية، فهناك جمع دقيق للمعلومات حول المواضيع الطويلة.

ويعزو حماد تدني مستوى بعض الطلاب بسبب الأحداث المتلاحقة على الساحة، لكنه لم يخف احتواء المنهاج على كم هائل من المعلومات في مختلف المباحث، وفي جميع المراحل التعليمية، منوها أنه بحاجة لتقنيات عالية غير متوفرة في جميع المدارس.

ويوافقه الرأي الدكتور داوود حلس أستاذ التربية في الجامعة الإسلامية، عازيا وضع المنهاج المشوش للانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية الذي أثر على الحياة برمتها ، إلا أنه يؤكد عدم وجود منهاج يخلو من العيوب، مشيرا إلى أنه لا زال قيد التجربة.

ويقول حلس: تأليف المنهاج وتصميمه استغرق فترة غير كافية لكتابة خطوطه العريضة وتصميمه بشكل جيد، ما أدى إلى مشاكل وصعوبات كثيرة، مشيرا إلى أنه أعد في زمن السلطة الفلسطينية وفق اتفاقية أوسلو، ولم يتمكن المختصون من تعديله. ويضيف :" الأخطاء الموجودة في المنهاج لا تأخذ جزافا ويجب تعديلها كل عام دراسي.

بدوره قال حماد :" هناك جهود حثيثة تبذلها الوزارة بالتعاون مع الضفة الغربية للتغلب على هذه المشكلة، من أجل وضع الخطط اللازمة للرقي بالمنهاج وتطويره، والاستعانة بملاحظات المختصين لتقييم مختلف المباحث."، مضيفا: العمل جار لاختيار الأسلوب المناسب للتدريس والاستفادة من "مرشد المعلم" الذي أعدته الوزارة لمبحثي اللغة العربية والرياضيات في المرحلة الأساسية الدنيا وحتى الفصل الرابع الابتدائي.

حلقة متكاملة

وتعاني الأسر الفلسطينية من دسم المنهاج وطوله وتواجه مشاكل جمة في إرشاد الأبناء ومساعدتهم لزيادة تحصيلهم العلمي، ويضطر بعضهم للدفع بسخاء لمدرسي الحصص الخصوصية، لتعويض نقص المعرفة التي يفتقر لها أبناءهم.

ويحتار أولياء الأمور من تذمر أبنائهم لبعض المساقات التعليمية، فلسان حالهم يقول أن المنهاج معقد، والمدرس لا يمتلك قدرة كافية لتوصيل المعلومة بشكل كاف للطلاب.

ويعلق حماد بالقول:" لا يجوز من منظور منطقي تحميل المسئولية لشخص بعينه، فالمسألة تحتاج لنظرة عقلانية يتحملها الجميع، ولا يجوز ترك العناصر الأخرى (..)،  ويضيف :" لا أنكر أن المنهاج قد يكون سببا في تدني التحصيل العلمي، ومع ذلك فتدني مستوى الطلاب كان قائما في زمن المنهاج المصري، مشيرا إلى أن المنهاج الفلسطيني ورث الضعف الملموس من أجيال سابقة.

ويقول حلس لـ" الرسالة": عملية الترقيع للمنهاج لن تؤدي لتحسينه، ، لذلك يجب أن تتم التعديلات بين جناحي الوطن وبالتوافق مع آراء الخبراء حتى يكون أكثر رونقا.

وقال حلس: لا نريد أن نحمل أولياء الأمور فوق طاقاتهم، متسائلا: هل تم إعداد المنهج وفق حلقة متكاملة توضح أن طريقة التدريس مناسبة (..)، ربما يكون هناك خلل في إعداد المعلم وفق الدورات التدريبية التي تؤهله لمواكبة العملية التعليمية.

ويشير حلس إلى أن أكثر منهاج لا يستمر خمس سنوات، وبحسب الرؤى الموجودة يجب دراسة الشكاوى وعلى وزارة التربية والتعليم تصميم منهاج فلسطيني يتم تجربته ودراسة الأخطاء الموجودة فيه من خلال تلقي الاستبيانات من أولياء الأمور والمشرفين لتعديل الأخطاء.

لا أحد ينكر أن المنهاج التعليمي قفز ليواكب التطور العلمي، ويعيد روح العلم والمعرفة، لكن بقاءه على هذا الحال أصبح شبحا يطارد أجيال المستقبل، فهل سيبقى المسئولون يعلقون تطويره على شماعة الانقسام، ويرتهن الطلاب تحت رحى الدروس الخصوصية؟

 

البث المباشر