نعيش ذكرى وفاء الأحرار وتحرير أكثر من 1050 معتقلا فلسطينيا، بعد عملية أسر معقدة لاحد الجنود الإسرائيليين استمرت خمس سنوات، وتعتبر عملية أسر الجندي جلعاد شاليط بحد ذاتها من إعجاز المقاومة وتُدرس كنموذج إبداعي في حرب العصابات والكمائن والمفاجآت العسكرية، وعملت على رسم خريطة جديدة للتعامل مع الاحتلال.
لم تنتهِ البطولة الفلسطينية عند التنفيذ المتقن للعملية، ولم تكتفِ المقاومة بلذة اسر الجندي شاليط، وإنما انتقلت لعملية أكثر تعقيدا في المحافظة عليه حيا دون موت، وفق ظروف غاية في الصعوبة، ومكان يعتبر تحت عين وبصر وسمع الاحتلال، فالمحتل الاسرائيلي كان يظن انه يستطيع رصد القطاع شبرا شبرا وان غزة وان خرج منها الا انها في قبضته وتحت سطوته، ومع ذلك ظل شاليط أسيرا لسنوات وسنوات، واثبت ان غزة لا كما يتوقعون وفيها واقع يحمل نواة فلسطينية قوية.
لهذا فلا شك أن معركة الحفاظ على شاليط أعظم من عملية أسره، فالمقاومة الفلسطينية أسرت قبل ذلك جنودا إسرائيليين، ولكن لم تستطع المحافظة عليهم، وتم كشفهم وملاحقة آسريهم. اليوم شاليط بقي خمس سنوات آمنا مطمئنا هو وآسريه رغم انف الاحتلال. مما فتح ملفا جديدا وبدأت مرحلة مهمة من مراحل المقاومة وهو قدرتها على المفاجأة وعلى الاحتفاظ بأسراها.
منذ اللحظة الأولى لأسر الجنود الإسرائيليين في معركة العصف المأكول كان هناك حالة تطور في التعامل مع الملف، فالمقاومة عظمت من حالة الغموض وامتلكت قدرة على التحكم والضبط في المعلومة، ولم تتحدث عن الجنود ولا عددهم ولا مصيرهم إلا بالقدر الذي يزيد من اهمية أي صفقة قادمة، وكان التعامل الإعلامي ذكي في صمته وإشاراته وبعض رسائله المباشرة وغير المباشرة، كما زاد الأمر رهبة وتعقيدا في عقل العدو حينما كشف عن وحدة الظل وعملها وإمكانياتها وقدرتها على توفير بيئة طبيعية جدا للأسرى.
ورغم العبر والعظات الذي اتخذها الاحتلال ومحاولته تسويف الملف إلا أن المقاومة فاجأته بأساليب جديدة لم تكتفي فقط بإحياء ملف المفقودين الاسرائيليين، بل أحدثت حراكا قويا في نفوس عائلاتهم ووضعت الحكومة في زاوية التشكيك والضعف، فأضحى ينظر لروايتها أنها كاذبة ولأجهزتها الأمنية أنها ضعيفة.
كل ما سبق هو جزء من عملية التفاوض، وسيلقي بظلاله على عملية التفاوض المعقدة، وتعتبر مرحلة التفاوض العلنية او عمليات الضغط وصراع العقول، فالاحتلال يريد كسب الوقت لعله يحدد المكان والزمان أو يحبط ويدعوا المقاومة للتهور والاندفاع، والمقاومة تقوم ببث الرسائل وشن حرب نفسية لتعظيم الثمن وزيادة قوة أوراقها في حال انتقل التفاوض لمراحل متقدمة.
حتى شروط القسام المسبقة للبدء بعملية التفاوض المباشر، فيها قوة وتمكن من قبل المقاومة ورسالة ان ما تمتلكه اليوم أكبر من التهاون أو التقليل منه، فهناك ثقة أن الاحتلال سيجبر بعد ذلك للانصياع لمطالب المقاومة فأعتقد ما تمتلكه المقاومة سيجبره على ذلك.