تستعر حالة الصراع بين التيارات الفتحاوية على خلافة رئيس السلطة محمود عباس، لاسيما في ظل تجاوزه عتبة الثمانين خريفاً، ومواقفه السياسية المتناقضة مع توجهات الشارع الفلسطيني، وكان آخرها مشاركته في عزاء الرئيس الإسرائيلي الأسبق "شمعون بيرس".
ويعتبر تيار القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، الأقوى نفوذاً في بورصة الأسماء المتداولة لخلافة عباس، لاسيما في ظل علاقاته مع أطراف وازنة في المنطقة والعالم، وقدرته على تجنيد الدعم المالي لتحقيق أجندته، فضلاً عن كونه شريك رئيس السلطة الحالي في ترتيبات مرحلة خلافة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
أداء سياسي ضعيف
كثرة المتنافسين على وراثة عباس دقت جرس الإنذار لدى المتابعين والمراقبين للمشهد السياسي الفلسطيني، وفي هذا السياق حذر الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية يوني بن مناحيم من حدوث تصفيات داخلية في حركة (فتح) بالضفة الغربية، موضحاً في مقال نشره الأسبوع الماضي الموقع الإلكتروني للمعهد "الأورشليمي" للشؤون الإسرائيلية، أنه في ظل الوضع الصحي المتراجع لعباس تزداد المطالبات داخل فتح بتعيين نائب له، بحيث يكون خليفته في المستقبل، وهناك تقدير بأن يتم ذلك خلال المؤتمر السابع للحركة.
ويقول الخبير الإسرائيلي إنه إلى جانب الوضع الصحي المتردي، فإن أداء عباس السياسي ضعيف، خاصة أنه محبط من الوضع السياسي الذي يحيط به، ويبحث عن أي طريق من شأنها أن تشكل له منفذاً من الضغط الذي يعيشه. ونقل عن أحد ضباط الأمن الفلسطيني الكبار قوله: "إن التوتر الناشب بين عباس وخصمه دحلان قد يدفع إلى حصول سلسلة اغتيالات وتصفيات جسدية، في ظل امتلاك دحلان مجموعات من المسلحين".
ووصف الخبير الإسرائيلي دحلان بأنه رجل خطير، ويمتلك خبرة طويلة كقائد للأمن الوقائي في غزة على مدار سنوات، وهو يعرف جيدا كيف يخطط لتنفيذ عمليات سرية، مشيرا إلى أنه سبق أن اغتال عن بُعد خصومه السياسيين داخل فتح في قطاع غزة عام 1994.
وأوضح أن هناك أجواء تسود الشارع الفلسطيني تشير إلى وجود تدخلات من جميع الأطراف في معركة وراثة عباس، بدءا "بإسرائيل" وأميركا مرورا بأوروبا والدول العربية، مما يثير مخاوف الفلسطينيين مع غياب فكرة إجراء انتخابات.
الخلافات الفتحاوية
وفي السياق ذاته، يقرأ المختص في الشأن السياسي تيسير محيسن، ما يدور على أرض الواقع في الفترة الأخيرة بأنه تكرار لتاريخ حركة فتح الذي شهد الكثير من الصراعات الداخلية وأدى إلى نزاع مسلح واغتيالات، لافتاً إلى أن معاركهم الداخلية قد تتكرر خاصة لو تصاعدت وتيرة الخلاف بين التيارات داخل فتح للوصول إلى كرسي السلطة.
ولفت إلى أنه في زمن "عرفات" تحدثت شخصيات وازنة مقربة منه بطريقة قاسية، أمثال دحلان الذي كان يهاجمه دوماً، ويقول إن رجل السلطة انتهت صلاحيته، وذلك قبل اكتشاف مرضه ووفاته، مشيرا خلال حديثه "للرسالة" إلى أن دحلان ذاته تحدث إليه بأن عرفات "إنسان مخرفن"، وفق وصفه.
وعن إمكانية أن يحتل "دحلان" مكانة "عباس" من خلال التصفية والاغتيالات، يشير محيسن إلى أنه لا يوجد إجماع على شخصية بديلة عن رئيس السلطة حتى اللحظة، منوها في ذات الوقت إلى أن دحلان لديه فرصة لرئاسة فتح، مضيفا "هو يمتلك النفوذ السياسي والمالي، وكذلك انسداد أفق المصالحة مع عباس للعودة للحركة دافع قوي للسيطرة على الحكم بأي طريقة".
ونوه إلى أن الخلافات الفتحاوية ستترك فراغا لعدم وجود شخصية وازنه بديلة عن "عباس"، الأمر الذي سيستغله دحلان للوصول إلى المنصب الذي يسعى إليه.
خلايا نائمة
وكان "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" قال إن الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس عباس في الضفة تعتقد بأن دحلان سيلجأ إلى توظيف "خلايا نائمة" تعمل لصالحه في أرجاء الضفة، لتنفيذ عمليات تصفية ضد المقربين من عباس، الذين يشكلون المعسكر المعارض بقوة لعودته لقيادة حركة فتح.
وفي تقدير موقف للمركز، نوّه إلى أن الاعتقاد السائد لدى أمن السلطة بأن تجربة دحلان مديراً أسبق لجهاز الأمن الوقائي، تؤهله لوضع خطط "محكمة لتنفيذ" مثل هذه الاغتيالات. وأشار المركز إلى أن المقربين من الرئيس عباس نظروا إلى التسريبات الإسرائيلية حول ترشيح مندوب فلسطين السابق في الأمم المتحدة ناصر القدوة، لخلافته وسيلة "للمس بمكانة الرئيس عباس السياسية"، منوها إلى أن "فتح" تبدي حساسية كبيرة تجاه تعيين القدوة بسبب علاقاته الشخصية "الحميمة" مع دحلان.
وأوضح "المركز" أن قيادات كبيرة في "فتح" تطالب الرئيس عباس حالياً بتعيين نائب له، لكي يتم تحديده خليفة محتملاً له، مشيرا إلى أن هذه القيادات ترى أن المؤتمر العام السابع لحركة فتح، الذي من المتوقع أن يعقد في نهاية الشهر المقبل، يعد الجهة المؤهلة لتحديد هوية خليفة الرئيس عباس.
وشدد على أن ما زاد الأمور تعقيدا، حقيقة أن مكانة الرئيس عباس تراجعت إلى حد كبير بعد مشاركته في تشييع جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس، بعكس رغبة الرأي العام الفلسطيني.