أدركت المقاومة الفلسطينية أن الطريق الواصل إلى تحرير الأسرى من السجون الصهيونية يمر من خلال أسر جنود الاحتلال في الضفة المحتلة أو خلال العمليات العسكرية الصهيونية ضد قطاع غزة والتي أثمرت الإفراج عن مئات الأسرى.
تاريخ حافل للمقاومة في إبرام صفقات التبادل، التي كان أخرها حتى اللحظة صفقة "وفاء الأحرار" التي فرضت فيها المقاومة كلمتها على الاحتلال وعقدت الصفقة بوساطة مصرية في عهد الرئيس محمد مرسي الذي كان له دور كبير في إنجاح الاتفاق.
صفقة وفاء الأحرار 2011 م
تمكن مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام من أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط فيما بات يعرف بعملية "الوهم المتبدد" العسكرية في الخامس والعشرين من حزيران 2006م، وخاض العدو الصهيوني حربا شرسة ضد قطاع غزة بهدف تحرير شاليط لكنه فشل في ذلك.
المقاومة الفلسطينية أصرت على إطلاق سراح شاليط ضمن عملية تبادل للأسرى، وفي بداية الأمر جرت عدة جولات حول صفقة تبادل الجندي الصهيوني الأسير، حيث طالبت حركة حماس بالإفراج عن (1000) أسير من سجون الاحتلال، من بينهم أصحاب الأحكام المؤبدة وجميع الأطفال والنساء والمرضى، حيث رعت هذه الصفقة وساطة ألمانية في البداية وتابعتها حتى التنفيذ وساطة مصرية، وكانت (20) أسيرة فلسطينية أطلق سراحهن بتاريخ (2/10/2009) مقابل شريط فيديو يظهر الجندي شاليط حيا.
كما أفرجت سلطات الاحتلال الصهيوني بتاريخ (18/10/2011) عن الدفعة الأولى من الأسرى والبالغ عددهم (477) أسيرا من أصل (1027) أسيرا أفرج عنهم في الصفقة، من بينهم (27) أسيرة، وتبلغ نسبة المفرج عنهم من أصحاب المؤبدات (70%)، ومن المفرجين أيضا قيادات في حركة حماس أمثال المحررين يحيى السنوار وروحي مشتهى وحسام بدران وزاهر جبارين وغيرهم.
وأبعدت سلطات الاحتلال (203) محررين إلى قطاع غزة وتركيا وسورية وقطر، ومن المفترض عودتهم إلى قطاع غزة بعد سنة من الافراج عنهم ضمن بنود اتفاق الصفقة لكن هذا الأمر لم ينفذ حتى اللحظة.
كما أفرجت المقاومة في هذه الصفقة عن عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي من رام الله بعد 33 سنة في السجن وأعاد الاحتلال اعتقاله مجددا، وعن الأسير أكرم منصور بعد 32 سنة من السجن، والأسيرين ابراهيم جابر وعثمان مصلح بعد 29 سنة سجنا، وفخري البرغوثي 33 سنة، وفؤاد الرازم 30 سنة.
في حين استكمل الإفراج عن الدفعة الثانية من الأسرى (550) أسيرا بتاريخ 18 ديسمبر 2011، وغالبية المفرج عنهم من أسرى حركة فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى.
وعاودت سلطات الاحتلال الصهيوني اعتقال (71) محررا في صفقة "وفاء الأحرار" بالضفة والقدس المحتلة، وأعادت تطبيق الأحكام عليهم.
وتمثل "وفاء الأحرار" نصرا للمقاومة الفلسطينية، التي أجبرت الاحتلال بعد جولات عديدة من المفاوضات على القبول بشروط المقاومة، وإعادة الاعتبار لأهمية الانسان الفلسطيني لدى المقاومة.
وأكدت أن خيار خطف الجنود هو الطريقة الأنجع في تحرير الأسرى من القيد، ودليل على فشل نهج المفاوضات في الإفراج عنهم.
كما أحدثت "وفاء الأحرار" نكسة سياسة للحكومة الصهيونية، في حين أظهرت قوة المقاومة الفلسطينية وقدراتها الأمنية الكبيرة التي برزت خلال تسليم الجندي شاليط للجانب المصري والتمويه في عملية نقله من قطاع غزة إلى مصر بوجود الشهيد أحمد الجعبري رئيس "أركان القسام".
كذلك العجز الاستخباراتي للاحتلال في التعرف على مكان شاليط طيلة خمس سنوات من أسره لدى كتائب القسام، خاصة بعد عرض المكتب الإعلامي للقسام صورا لشاليط خلال فترة احتجازه وهو يعيش حياة طبيعية بل ويخرج إلى الهواء الطلق للاستمتاع بشواء اللحم على شاطئ غزة في دليل على فشل المنظومة الاستخباراتية "الإسرائيلية"، الأمر الذي أحرج الحكومة "الإسرائيلية" أمام جمهورها وإظهارها بصورة الكاذب العاجز.
كما رفعت الصفقة الروح المعنوية للأسرى في سجون الاحتلال، وزادت الأمل لدى عائلاتهم بأن المقاومة قادرة على الإفراج عن أبنائهم في القريب.
وفي الإطلالة على صفقات التبادل بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال منذ عام 1968م تأتي وفق المخطط الزمني:
- الثالث والعشرين من تموز 1968م، نفذت أول عملية تبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، حيث تمكن مقاومون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اختطاف طائرة صهيونية كانت متجهة من روما إلى تل أبيب، ليطلق سراح الركاب مقابل (37) أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية ومنهم من اعتقل قبل عام 1967م.
- أطلق سراح الأسير الفلسطيني محمود بكر حجازي مقابل جندي صهيوني ضمن صفقة تبادل بين حركة فتح والاحتلال في 28/2/ 1971.
- عملية النورس بين الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في 14/3/1979م، حيث أفرج الاحتلال عن (76) أسيراً فلسطينيا من بينهم (12) أسيرة.
- في عام 1980 أفرج الاحتلال عن الأسير مهدي بسيسو مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح الاحتلال من قبل حركة فتح.
- أفرج الاحتلال الصهيوني عن (4700) معتقل فلسطيني ولبناني من معتقل أنصار في الجنوب اللبناني، وعن (65) أسيراً مقابل إفراج منظمة التحرير الفلسطينية عن (6) جنود صهاينة اعتقلوا في منطقة بحمدون في لبنان وذلك في 23/11/1983م.
- نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة صفقة تبادل سميت عملية الجليل في 20/5/1985م، أطلق الاحتلال بموجبها سراح (1155) أسيراً مقابل (3) جنود صهاينة كانوا محتجزين لدى الجبهة.
- سلمت الجبهة الديمقراطية الاحتلال جثة جندي صهيوني بتاريخ 13/9/1991م مقابل سماح الاحتلال عودة أحد مبعدي الجبهة إلى فلسطين.
- أفرجت حركة الجهاد الإسلامي عن أستاذ الرياضيات في الجامعة الأمريكية "جيسي تيرتر" مقابل الإفراج عن (15) أسيراً لبنانياً من معتقل الخيام في 21/10/1991م.
- تمكن مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس، من اختطاف الجندي الصهيوني الرقيب "أفي سابورتس" في السابع عشر من شباط 1988 عقب اشتعال الانتفاضة الأولى، وفي 3/5/1989م اختطف مجاهدو حماس جندياً أخر يدعى "إيلان سعدون" في مخيم البريج، وفي 18/9/1992م تمكنت كتائب القسام من أسر الجندي "ألون كرفاتي" والجندي "نسيم طوليدانوا" بتاريخ 13/12/1992م داخل الأراضي المحتلة عام 48م، حيث قتل الجنود الأربعة.
- شهد عام 1993م انتفاضة عملية في خطف الجنود الصهاينة حيث بلغت حصيلة عمليات الأسر (8) قتل خلالها (8) من العسكريين و(3) من رجال الشرطة الصهيونية.
- وفي العام 1994م اختطفت كتائب القسام الجندي الصهيوني"نخشون فاكسمان" وأمهلوا الاحتلال عدة أيام للإفراج عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين، لكن العملية لم تكتمل.
(48) سنة من عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شهدت عدة صفقات تبادل، أسر الفلسطينيون (14) جنديا صهيونيا، في حين أفرج عن (8131) أسيرا فلسطينيا، ولا زالت قلوب الأسرى تنتظر فجر الحرية ....
* إعلامي وباحث فلسطيني