غزة- كارم الغرابلي:
براء.. أمجد.. علي.. هديل.. أطفال من بين آلاف الأطفال في قطاع غزة، في عمر الزهور، أرغمتهم والظروف القاهرة التي يعيشونها على ترك الإجازة الصيفية جانبًا، والتنازل عن طفولتهم البريئة، والبحث عن لقمة العيش بمباركة من أسرهم.
أمجد لم يتجاوز من العمر عشرة أعوام، ولكنه بدا مما يحمله من هَمٍّ وكأنه رجلٌ كبيرٌ يقول " للرسالة نت" :أنتظر انتهاء الاختبارات المدرسية بفارغ الصبر؛ حتى ألتحق بالمخيم الصيفي ؛ لأن والدي عاطل عن العمل, ويجب أن أعمل حتى نعيش بكرامة".
ويحلم أمجد بأنْ يلتقي بأصحابه لممارسة هوياته واللعب في إجازته الصيفية؛ لكن الظروف تحرمه من تحقيق هذا الحلم، ويضيف ومعالم الحزن ترتسم على وجهه: "في كل صيف أشتغل على شاطئ البحر, وأحيانًا ننام هناك لأيام متواصلة".
وفي قطاع غزة، الذي يُعتبَر استثناء من بين كل مجتمعات العالم يحرم حصار الأعداء ،وذوي القربى أطفال وأسر غزة من حقهم الطبيعي في الراحة والاستجمام بعد عامٍ طويلٍ مليءٍ بالمتاعب والدماء.
شقيقه أحمد لم يكن بحال يختلف كثيرًا عنه، وقال: " زهقت البحر, ما بدي آجي" على البحر, أنا بأتعب كثير، ونفسي أروح ألعب الكرة وأكون جنب البيت, لأني دايمًا خايف".
ويقضي أطفال غزة إجازتهم الصيفية تحت أشعة الشمس الحارقة؛ بحثًا عن بضعة شواكل، في ظل حصار دولي جائر أضنى كاهلهم، وقضى على أبسط أحلامهم، فلا مصدر دخل لأسرهم، وإنْ وُجِدَ فلا يكفي لأسبوعٍ واحد.
ويعج بحر غزة في صيف كل عام, بعشرات الأطفال ممن هم دون سن الخامسة عشر, ينتشرون كباعة متجولين, وأعدادهم في تزايد نظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية؛ حيث يبيعون الذرة المسلوقة, والتسالي, والمرطبات, والسندوتشات, وأدوات البحر.
أما الطفل محمود الشاعر (12 عامًا) يحلم دائمًا بألا يحمل يومًا في الإجازة الصيفية صندوقه الخشبي ، وينظر إلى البحر طويلاً، ثم يلهو مع والده في مياهه الدافئة، يرشقه بالمياه بينما يحمله والده بين الأمواج لكي يعلمه السباحة.
لكن يبدو لدى الشاعر أن الحلم بعيد المنال في ظل جلوس والده كسيحًا بفعل مرض أصاب عموده الفقري وعجزه عن السفر، علاوة على حالة الفقر المدقع التي تعانيها أسرته بسبب الحصار.
وعند كل إشارة ضوئية وتقاطع طريق تجد طفلاً يبيع السلع الصغيرة، ويبحث عن لقمة عيشه؛ لمساعدة أسرته التي وقعت ضحية الفقر والبطالة، وتعيش أوضاعًا معيشية متردية.
وتتراوح العطلة الصيفية لدى الشاعر بين كر وفر من منتزه البلدية إلى ساحة الجندي المجهول بمنطقة الرمال بغزة؛ حيث يحمل صندوقًا خشبيًّا يحتوي على أنواع مختلفة من السجائر.
ويدور في ربوع المنتزه مناديًا على بضاعته القليلة، وما أن ينهي جولته، حتى يخرج إلى ساحة الجندي ليمارس البيع أيضًا بذات الطريقة، وحين تصب الشمس أشعتها على رأسه، وتصيبه بالدوار، فإنه يستظل بظل شجرة يستلقي أسفلها للراحة.
وبصوت خافت ومتهدج من شدة التعب والإرهاق يضيف الشاعر وعينه تغرورق بالدموع: "اعتدت في الإجازة الصيفية العمل لأساعد أسرتي في توفير احتياجاتها".
وفي أيام الدراسة يعمل الشاعر مساءً في بيع الحلوى والمحارم الورقية على مفترقات الشوارع والأرصفة، ويزيد عليها في العطلة الصيفية بيع الذرة المسلوقة والشاي للمتنزهين في الحدائق.
وتشير الإخصائية الاجتماعية سعاد العرعير إلى أن أهم سبب من أسباب ازدياد عمالة الأطفال في قطاع غزة، هو الحصار المفروض على القطاع منذ ثلاث سنوات تقريبًا، والذي أفقد الآلاف من العائلات مصدر رزقها.
وتؤكد العرعير "للرسالة نت" أن أسباب عمالة الأطفال هي ذاتها في جميع أنحاء العالم؛ إذ يعد الوضع الاقتصادي هو العامل الأكثر أهمية وتأثيرًا في نِسب عمالة الأطفال، وهو ما يجبر الأطفال على الانخراط في سوق العمل في عمر مبكر جدًّا.
وأكدت أن انتشار هذه الظاهرة بين الأطفال قد تتسبب في أضرار كبيرة لهم؛ لأن الأطفال الذين يعملون في عمر مبكر لا ينمو جسدهم بشكل سليم خاصة الأطفال الذين يعملون في الأشغال الشاقة والتي تؤثر على أجسامهم في المستقبل.
هذا حال الأطفال في قطاع غزة؛ حصار، وقتل، وتجويع، وقهر، وحرمان من أبسط الأحلام والحقوق، ولسان حالهم يردد "من غير فلسطين شو يعني طفولة".