لا تكاد حركة فتح كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والقابضة على مقاليد حكم السلطة الفلسطينية منذ نشأتها، تخرج من أزمة حتى تدخل غمار أخرى في مشهد لا يخلو من الانقسامات والصراعات بين تياراتها المتنافسة على خلافة رئيس السلطة محمود عباس الذي جاوز الثمانين خريفاً.
الحركة التي شارف عمرها على الثانية والخمسين عامًا، استعصت على جميع الحلول لرأب الصدع بين قطبيها، ولم تجد آذانا صاغية من الطرفين المتخاصمين، إذ يستقوي كل منهما على الآخر بأسلحة تبدو غير تقليدية تجاوزا فيها الصراع التقليدي داخل أجنحة الحركة، لتمس ثابت الشرعية لكل منهما في عملية يشكك فيها كل طرف بالآخر ويثبت أحقيته في الشرعية التنظيمية على الأقل.
وتمثل السلاح الأخطر في عملية "الطعن بالشرعيات"، في عقد المؤتمرات الحركية، كسلاح تقول قيادة السلطة أن خصمها محمد دحلان قد ابتدأ به بالتعاون مع مصر التي رعت مؤتمرا سياسيا في عين السخنة لأنصاره وبصدد أن ترعى مؤتمرا آخر الأحد القادم.
خطوة ابتلعها الرئيس وفريقه على مضض، فكان هو الاخر يستعد لتثبيت موعد عقد مؤتمر الحركة السابع، راكلا بقدمه كل المناشدات بتأجيل انعقاده، والتي تقدم فيها أعضاء من مركزية فتح، من أبرزهم عباس زكي.
قبل أيام قليلة سبق ذلك مبادرة طرحت على مركزية الحركة في اجتماع حضره ستة من أعضائها، تقترح إعادة توزيع المناصب الحركية داخل الحركة، بما يشمل إعادة ضم دحلان للحركة مجددا، وأن يكون مروان البرغوثي رئيسًا، كما أقر بذلك أحد أعضاء المركزية للرسالة.
قيادة فتح أصرت على اقصاء القيادي المفصول من فتح محمد دحلان وانصاره من المؤتمر السابع، وفق ما تحدث به مأمون سويدان مستشار رئيس السلطة محمود عباس.
وقال سويدان لـ"الرسالة"، إن المؤتمر سيناقش البرنامج السياسي للحركة، ووثيقة البناء الوطني والتعديلات المقترحة على النظام الداخلي للحركة. وأضاف" هناك شبه اجماع في البيت الفتحاوي بالالتفاف حول الرئيس وإعادة ترشيحه وانتخابه للأمانة العامة في الحركة مجدداً، ولم يطرح في أي جلسة تنظيمية أو إطار فتحاوي أي مسالة تتعلق بخلافته".
وأشار إلى أن العمل جار على تجهيز بقية التحضيرات المتعلقة بالمؤتمر من قبيل مكان انعقاده وعدد المشاركين فيه، مؤكداً أن أبناء الحركة من القطاع سيشاركون في المؤتمر. وحول مشاركة دحلان، قال " كل من اتخذ بحقه قرار فصل من الحركة لن يسمح له بالمشاركة في المؤتمر".
وبشأن المعلومات التي تحدثت عن رغبة المؤتمر بحث منصب نائب للرئيس، أجاب سويدان قائلاً:" مناقشة هذا الموقع يتم في أطر أخرى تحديدا مؤسسات منظمة التحرير مثل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، لأن المنظمة تعتبر صاحبة الولاية القانونية على السلطة التي أنشأت بموجب قرار من المركزي عام 1994م".
أمّا بشأن اختيار نائب لابو مازن في حركة فتح، فنفى اطلاعه على التعديلات المقترحة في النظام الداخلي للحركة. ونفى بشدة أن تكون هناك مبادرات عربية لتقاسم مواقع القيادة بفتح، وقال "لا نقبل ولا نسمح بأي شكل بالتدخل في الشأن الفلسطيني، وكما أننا لا نتدخل في شؤون الدول العربية لا نسمح أي مناقشة لها علاقة بشأن الشعب الفلسطيني خارج الأطر الرسمية الفلسطينية".
وأضاف "من حيث المبدأ لا نسمح لأحد أن يتحدث معنا في شؤوننا الداخلية، وكل ما يشاع في هذا الامر كلام فارغ لا قيمة ولا معنى له".
أمّا فريق دحلان فهو الاخر يبحث عن رد ليواجه به العملية الاقصائية، وفق قيادات من التيار تحدثت للرسالة، فيما يبدو أن هذا السلاح رديف ما استخدمه الرئيس، وهو عقد مؤتمر لأنصاره في مكان ما يشارك فيه أكبر عدد من قادة الحركة وكوادرها في الداخل والخارج، إضافة إلى استمرار عقد المؤتمرات التي يرعاها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، المقرب من المخابرات المصرية.
الاحد المقبل سيستكمل المركز مؤتمراته، وفق ما كشف طارق فهمي مساعد رئيس المركز، بأنه سيستضيف مؤتمرًا نخبويا لرجال الأعمال وشخصيات سياسية وإعلامية ومخاتير، يوم الأحد المقبل في القاهرة. وقال فهمي لـ"الرسالة"، إن الدعوات وجهت لغالبية القوى الفلسطينية بما فيها حركة حماس والسلطة الفلسطينية برام الله.
وأوضح أن المؤتمر سيضم حوالي مئة شخصية من هذه الفئات، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يعتبر استكمالا للجهد المصري الداعم للقضية الفلسطينية. ولفت إلى وجود مباحثات لتنظيم مؤتمرات "دون أن يكون وراء عملية تنظيمها صبغة سياسية"، وفق تعبيره.
واستغرب هجوم شخصيات من السلطة على المركز في وقت أكد فيه المشاركون على شرعية الرئيس محمود عباس، لافتا إلى أن أبو مازن، إلى جانب شخصيات أخرى من السلطة أمثال أحمد قريع، سبق أن شاركوا في دراسات وحضروا مؤتمرات عقدها المركز.
وأسرّ قيادي من تيار دحلان لـ"الرسالة نت"، أن مؤتمرا وطنيا سيدعو له التيار قريبا تشارك فيه قوى فلسطينية مختلفة، تعمل على إعادة تقييم واقع المرحلة برمتها.
وبمعزل عن تفاصيل الانقسام الداخلي لفتح، تفرض ملفات أخرى نفسها على الحركة، من قبيل البرنامج السياسي الذي ثبت فشله خلال العقدين الأخيرين، إضافة الى النظام الداخلي للحركة الذي تجاوز عمره 5 عقود، كما يقول اللواء عبد الفتاح حمايل عضو المجلس الثوري لفتح.
ويضيف حمايل لـ"الرسالة نت "نحن بحاجة لإجابة واضحة حول تدهور البرنامج السياسي والتنموي، والبحث عن إجابات حول مستقبل القضية"، معتبرا ان هذه القضايا تشكل هاجسا اكبر لدى فتح "لأن الخلافات القائمة هي شخصية وليست مبدئية ومن السهل ان تحل وفق أي مصالحات فتحاوية داخلية"، كما يقول. وسواء نجحت المؤتمرات أم فشلت وبمعزل عن تأثيرها، لكن ما هو محسوم، فإن فتح متجهة إلى طلاق بائن بينونة كبرى، لا رجعة بعده ما لم تدارك الحركة واقطابها واقع فصيلهم الأليم.