ليس سهلا الجلوس على كرسي غسيل الكلى، بل هو عملية توصف بالمنهكة للمرضى لاسيما وأنها تتكرر مرتين وأكثر أسبوعيا الأمر الذي يحتاج رعاية نفسية لهم، فلا يريدون شفقة أو إزعاج خلال تلك اللحظة.
تنقلت "الرسالة" بين أسرة المرضى لتتعرف على كيفية قضائهم لتلك الساعات التي يحتاجونها خلال عملية الغسيل، المريض الأول كان " شعبان مسلم " – 23 عاما- أسمر الوجه نحيل الجسد يجلس وحيدا دون مرافق، عند الاقتراب منه رفض الحديث بداية الأمر، لكن سرعان ما استجاب.
يقول بعدما توقف عن التقليب في هاتفه الحديث:" منذ اصابتي قبل عامين لم يحضر معي أحد من عائلتي سوى مرتين (..) رفيقي خلال عملية الغسيل هو هاتفي المزود بالإنترنت حيث أقلب الصفحات وألعب عليه لأخفف من ألمي ليمضي الوقت سريعا".
ويروي "مسلم" إنه لا يريد الشفقة من أحد، وفي ذات الوقت يفضل البقاء وحيدا رغم أنه يعاني بعد عملية الغسيل من الدوران "الدوخة"، وكذلك لا يرغب الحديث مع المرضى كونه يريد أن يتناسي معاناته ولو قليلا، فهم يشبهونه بالمرض.
وفي السرير المقابل يرقد العشريني "محمد الزيتونية" وبجانبه شقيقه ممسكا بيده ليشعره بالطمأنينة كلما اشتد وجعه، فقد اعتاد الذهاب برفقته طيلة فترة مرضه.
الشاب "الزيتونية" تزعجه نظرات المرضى كبار السن حينما تطارده للسؤال عن حياته، ومن ثم يختمون أسئلتهم "مش حرام بعدك شب صغير، احنا ختايرة خلص عمرنا"، فتلك الكلمات كما أخبر "الرسالة" تجعله يفقد الأمل بالشفاء.
وعن كيفية قضائه لساعات الغسيل التي تصل إلى ثلاث أو أربع ساعات ويجري خلالها سحب الدم ويضخون آخر جديد غير ملوث، ذكر أنه يتجنب الكلام مع المرضى، كونه ينشغل مع شقيقه وأصدقائه الذين يصرون على زيارته ليشدوا من أزره، مبينا أنه في بعض الأحيان لا يرغب بوجود أحد فيفضل النوم، حينما يشتد مرضه كي لا يرمقونه بنظرات الشفقة.
وفي الغرفة الأخرى يرقد عدد من كبار السن مصادفة، فرغم تألمهم إلا أنهم ينشغلون بالحديث عن ذكرياتهم، فمنهم العم الستيني "أبو أحمد" الذي راح يخبرهم عن حياته في السعودية وكيف كان يجني المال وبنى بيته في غزة، وفي المقابل ينصت له زملاؤه بإعجاب، بينما زوجه تومئ برأسها لتؤكد على حديثه.
ويصر "أبو أحمد" على أن يصطحب زوجه دوما، بدلا من أولاده الذين ينشغلون بأعمالهم فلا يريد أن يسترق من وقتهم أو يتعبهم كما يقول، مشيرا إلى أنه رغم شعوره بالألم أثناء مرحلة الغسيل إلا أن حديثه مع زملائه المرضى وسماع مشاكلهم الخاصة ينسيه ألمه فهم يخففون عن بعضهم.
وفي ذات الغرفة ترقد "سمر موسى" – 18 عاما- اكتشفت اصابتها بالكلى قبل ثلاثة شهور، ولا ترغب أن يعرف أحد من معارفها عن مرضها كي لا يقابلونها بنظرات الشفقة، فهي تريد ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
تقول بكلمات مقتضبة:" بمجرد وصولي إلى قسم غسيل الكلى، أعد الدقائق حتى أنتهي وأغادر سريعا، لا أريد نسج علاقات مع المرضى حتى من هن في مثل سني (..) طيلة الوقت أقضيه بالاستغفار أو الحديث مع والدتي".
"ربنا يشفيكي" هذه العبارة لها وقع الأثر السيء عليها، حينما تمر الممرضة وتلقيها عليها، فهي وفق قولها تشعر بدنو أجلها وحياتها أوشكت على الانتهاء.
جولة سريعة كانت بين مرضى الكلى أثناء عملية الغسيل، منهم كان يواري وجهه متألما، وآخرين تعايشوا مع واقعهم ولم يكترثوا لنظرات الشفقة التي تحيطهم فيسردون تفاصيل حياتهم اليومية لبعضهم وعند انتهاء الجلسة يودعون بعضهم.