يخفف عنك عبء الوصول إليه فيأتي بنفسه ليستعرض بضاعته من عملات نقدية قديمة، وتماثيل صغيرة تعود لأزمنة قديمة كالعثماني والبيزنطي فيعرضها للبيع مقابل آلاف الدولارات، وفي حال لمح بحوزتك شيئا قديما سرعان ما يأخذه منك بعدما يغريك بالمال ليظفر به ويبيعه لزبائن محددين يأتون من خارج قطاع غزة خصيصاً لمقابلته وغيره من مروجي الآثار.
داخل أحد الأماكن المخصصة لعرض الآثار التقته "الرسالة" خلال بحثها عن فوضى "تجارة الآثار" في قطاع غزة، حينئذ أصر على الحديث والتأكيد على وجود تجارة قطع أثرية وعملات قديمة في القطاع، لكن دون ذكر اسمه.
دون مقدمات علا صوته بالقول "نعم، هناك من اغتنى جراء احترافه النبش في المواقع الأثرية وسرقة القطع القديمة وبيعها للمختصين"، ومن ثم أخرج من جيبه علبة صغيرة وبداخلها 18 قطعة صغيرة من الفضة القديمة وجدها بالقرب من "تل رقيش" الأثري في دير البلح وسط القطاع، يصل سعر الواحدة منها محليا مائة شيكل.
وأفاد "الرسالة" أن هناك تجار آثار في قطاع غزة يبحثون عن آثار لليهود تركوها خلال حكمهم ومن ثم تباع لهم عند إرسالها مع تجار الذهب ورجال الأعمال، مشيرا إلى أن بعض نخب المجتمع والشخصيات الوازنة تعمل في هذا المجال كونه يجلب الربح لهم.
مباحث السياحة: 40 قضية تتعلق بالعبث في الأثار بت القضاء الحكم فيها
ويصف الرجل نفسه بـ "الهاوي" فهو يجمع العملات ويبيعها لأصحاب المجموعات الخاصة وفق قوله، وأنهى حديثه سريعاً ليلحق بأحد زبائنه في مدينة غزة الذي ينتظره لشراء بعض العملات النادرة.
المقتنيات الأثرية
ورغم حصار قطاع غزة وإغلاق المعابر والأنفاق الحدودية التي كان ينشط من خلالها تهريب الآثار، إلا أن هناك مروجين يبتكرون طرقاً جديدة للخروج بتلك القطع وعرضها في متاحف دولية أو بيعها للمهتمين.
ومن ضمن الوسائل التي لجأ إليها الشاب "سعيد" - اسم مستعار- أنه أنشأ صفحة خاصة عبر الفيسبوك لترويج ما لديه من قطع عثر عليها خلال تنقيبه في البيوت القديمة وبعض المناطق المعروفة لدى هاوي جمع الآثار.
راح الشاب "سعيد" يستعرض ما يملكه عبر الفيسبوك ويثمنها بأسعار مغرية، فيتم التواصل معه من قبل الهاوين والتجار الكبار، إلى أن ألقت المباحث السياحية القبض عليه حينما تقدم أحد الهاوين ببلاغ ضده.
وكان سبب الشكوى أن التاجر الشاب باع زبونه تمثالا صغيرا بقيمة ألفي دولار وأوهمه أنه يرجع لأكثر من ألف سنة، لكن المشتري اكتشف بواسطة خبرة كبار التجار بأن ما بحوزته مقلد، فكان نتيجة عمله مصادرة ما يملكه والسجن.
التجارة في القطع الأثرية الصغيرة وغيرها، تتم في الخفاء، لكن وقوع بعض منهم في عمليات النصب يدفع المشتري دائماً بتقديم شكوى لدى المباحث السياحية وهناك تتكشف الأوراق.
"الرسالة" التقت حسين أبو سعدة مديرة دائرة السياحة والآثار للحديث عن متابعة دائرته لتلك القضايا وكيفية ضبطها والحد منها.
يقول أبو سعدة:" قسم متابعة الآثار مستحدث وأنشئ بداية هذا العام وذلك لمتابعة عملية الاتجار بالآثار وتهريبها والتنقيب عنها داخل المواقع الأثرية في غزة، بالإضافة إلى المواقع الأثرية التي تزيد عن عشرين موقعاً من كنائس ومساجد وبيوت قديمة".
وأضاف:" في الفترة الأخيرة أصبح لدينا متابعة لمواقع التواصل الاجتماعي كونها أصبحت مكانا لعرض الاثار، حيث تم ضبط العديد من الحالات"، مبينا أن بعض القطع يكون مالكها قد ورثها أو اشتراها من أحد الأشخاص ويريد الانتفاع من ثمنها الذي يقدر بآلاف الدولارات.
وأكد أبو سعدة أن التنقيب في المواقع الأثرية والتجارة بالمقتنيات الأثرية يعد مخالفة للقانون الفلسطيني، مشيراً إلى أن القطع الأثرية لها تصنيفاتها وآلية معينة حددها القانون لمن يرغب بحيازتها.
ووفق القانون المعمول به في المادة السابعة، تمنح رخصة التنقيب عن الاثار لفئتين: الأشخاص الذين يعتقد المدير العام للآثار بأن في وسعهم أن ينفقوا على الحفريات المنوي اجراؤها بما يكفي للحصول على نتيجة مرضية من الوجهة الأثرية. والأشخاص الذين تعطى جمعيات أو مؤسسات علمية ضمانا معقولا على كفاءتهم العلمية أو الذين تثبت كفاءاتهم العلمية بأية صورة أخرى يقتنع بها المدير.
ويشترط في ذلك ان لا يجري اي تمييز في منح رخص التنقيب لسبب الجنسية أو المعتقد الديني.
تماثيل صغيرة
وحينما تواصلت "الرسالة" مع بعض التجار الصغار جميعهم أكدوا في أحاديث منفصلة أنهم يبيعون ما يعثرون عليه أو يشترونه بسعر أعلى، ولا يهتمون لهوية المشتري لأن هدفهم الربح، وحينما وجه لهم سؤال "هل تعتبرون ذلك سرقة تاريخ الوطن؟ كان ردهم: "ما نفعله تجارة وليست سرقة والكبار يفعلون ذلك وأكثر".
وزارة السياحة: نسعى لتطوير القوانين كونها لا تف بالغرض
وفيما يتعلق بمتابعة المباحث السياحية لخروج بعض القطع الأثرية عبر الوفود الأجنبية التي تأتي لقطاع غزة، قالوا بأنه لم تضبط أي حالة جديدة، لكن في السابق كانت الوفود ذاتها تأتي للتنقيب.
ووفق متابعة أبو سعدة، فإن هناك أشخاصا يحاولون التنقيب في منطقة "تل زعرب" الأثرية في رفح، حيث تم ضبط عدة حالات هناك تحاول العثور على قطع أثرية من التل وتم احالتهم للنيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية.
ووصف الأشخاص الذين يعملون في التنقيب أن لديهم وقت فراغ ومعرفة بأماكن التنقيب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن جهلهم بقيمة القطع التي يجدونها يجعلهم يبيعونها بسعر بخس.
وتبين "للرسالة" خلال تنقيبها في هذا الملف أن عددا كبيرا من المنقبين موظفون مستنكفون كانوا يعملون في السلطة السابقة، وغالبيتهم يعلمون أماكن التنقيب في قطاع غزة.
وحول أبرز المسروقات التي قامت المباحث السياحية بضبطها مع المنقبين، ذكر أبو سعدة، أنها عبارة عن قطع أثرية كالتمائم "تماثيل صغيرة" تم ضبطها في رفح وعمرها أكثر من 3 آلاف سنة حيث تم تحديد ذلك بالتعاون مع وزارة السياحة، وكانت بجوزة أحد المهربين الذي كان ينوي بيعها بآلاف الدولارات لأحد المواطنين".
ورغم أن هناك عمليات تهريب خارج القطاع كما تحدث مهربون، إلا أن مدير دائرة المباحث السياحية، أكد أن عملية التهريب متوقفة منذ أكثر من سبع سنوات.
وخلال تحريات المباحث السياحية، فإن قطعا أثرية كبقايا القصور أو العملات الفلسطينية ثمنت بمبالغ عالية، فقبل عدة شهور تم تهريب جنيه فلسطيني وبيعه بمليون دولار في الامارات.
وخلال العام الحالي ضبطت المباحث السياحية مواطنا يبيع جنيهات قديمة بآلاف الدولارات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يخشى ملاحقته من قبل الجهات الخاصة.
وفيما يتعلق بمتابعة المتاحف الخاصة، أفاد أبو سعدة أن هناك توثيق دوري لها حيث يتم جرد المحتويات كل شهرين من قبل وزارة السياحة لضمان عدم البيع، وفي حال وجود قطع جديدة أو فقدانها ضمن آلية غير متبعة يتم محاسبة صاحب المجموعة.
وأكد على وجود متابعة شديدة عند دخول الأفواج السياحة لقطاع غزة حيث يتم مراقبتها خلال زيارتها للمواقع الأثرية، لافتا إلى أن الاحتلال الاسرائيلي يستهدف الاثار ويحاول نزع ملكية الفلسطينيين لها، لذلك يكمن دور دائرته بعملية الردع للحد من تلك الحالات الفردية.
وخلال متابعة ملف تهريب القطع الاثرية من قطاع غزة، تبين أنه خلال عهد السلطة سمحت بدخول وفد فرنسي للتنقيب في منطقة البلاخية - مخيم الشاطئ، حيث فقدت معظم القطع خلال التنقيب، وهناك معلومات تفيد بوجود أجانب يحملون الجنسية البريطانية يزورون المواقع الأثرية لكن لم يثبت لدى الجهات المختصة شراؤهم أي قطعة كما تحدث أحد المهتمين بالآثار.
متحف العقاد: الوفود الأجنبية تغري أصحاب القطع الأثرية بالمال لحيازتها
وحول ما سبق ذكره، يؤكد أبو سعدة انه في حال ثبت اتجار اي مؤسسة دولية او استخدام بعض الاشخاص ستارا للتهريب سيتم اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة ومصادرة القطع وفق القانون.
وعن حجم قضايا البيع والتهريب، ذكر أبو سعدة أن هناك ما يقارب الأربعة قضايا معلقة وقيد التحقيق، وفي المقابل تم احالة 40 قضية للنيابة العامة ليتم النظر فيها وتحويلها إلى القضاء.
كبار التجار يتهرب
وفي جولة ميدانية قامت بها "الرسالة" لبعض المتاحف الخاصة المعروفة في قطاع غزة، كانت وجهتها إلى مدينة خانيونس حيث متحف "مروان شهوان" الذي يحتوي على ما يقارب 10 الاف قطعة أثرية ما بين نقود واكسسوارات وأواني منزلية فخارية.
وعن كيفية جمعه لتلك المقتنيات الأثرية قال أنه حينما كان صغيرا تردد كثيرا على بعض الأماكن التي يذهب إليها أقرانه للبحث عن التحف القديمة، فأعجبه الحال وبدء يجمع لدرجة أنه كان يعمل في النجارة ويدخر راتبه ليشتري التحف والنقود القديمة من بائعيها فقط كونه يهوى اقتناء القطع الأثرية.
وبدلا من تكدس المقتنيات في بيته، قرر وضعها في متحف خاص به أسفل منزله وبات مزارا للمهتمين، وتابع يقول:" خلال وجودي داخل المتحف يطرق بابي من حين لآخر بعض الشباب وبحوزتهم قطع أثرية للبيع أرفض شراءها، واخرون يأتون للشراء لكني أصر على الاحتفاظ بقطعي المسجلة بوزارة السياحة".
وبحسب خبرته في المقتنيات الأثرية، أوضح شهوان أن هناك بعض التجار يحاولون بيع تماثيل مزيفة بمبالغ خيالية على أساس أنها قديمة، مشيرا إلى أن أحد كبار التجار وهو معروف لديهم يأتي من حين لآخر يطلب منه شراء أي قطعة تعجبه لكنه يرفض لعلمه أنه سيأخذها ويبيعها للأجانب بسعر مرتفع فهو يستغل جنسيته الأجنبية للخروج باستمرار من قطاع غزة عبر معبر ايرز.
ووفق شهوان فإن ثمن القطعة التي يشتريها من أصحابها حينما يعثرون عليها في بيوتهم القديمة أو أراضيهم قد يصل إلى 500 دولار، وهنا طرحت "الرسالة" عليه سؤالا ماذا تستفيد من ذلك طالما تبقي القطع للعرض فقط، رد بقوله:" الفائدة تكون حينما تتحسن الظروف السياسية ويمكنني الخروج إلى الدول الأوروبية والمشاركة في المعارض الأثرية".
وأوضح أن الشباب الذين يأتون لعرض قطعهم عليه، لا يدركون قيمتها فهم يريدون التخلص منها ويحصلون على المال بأي وسيلة ولا يهمهم من المشتري سواء كان محليا أو أجنبيا، مبينا أن القطع التي تتداول في الاسواق الغزية عبارة عن عملات أو تماثيل صغيرة مصنوعة من الذهب أو الفضة.
ويعتبر أصحاب المجموعات الصغيرة ملاذا بالنسبة للتجار الكبار الذين يسافرون عبر معبر "ايرز"، وذلك للحصول على قطع نادرة فهم قد يخفون مقتنيات أثرية ذات قيمة عن وزارة السياحة وبيعها بسعر باهظ، كما أوشى بعض المهتمين خلال أحاديثهم "للرسالة".
أحد كبار التجار وهواة جمع الاثار، تواصلت معه "الرسالة" عبر الهاتف لتحديد موعد لمقابلته، لكنه رفض الحديث بحجة سفره وأغلق هاتفه المحمول، وقبل امتناعه عن الحديث سألناه بأن لدينا معلومات من مصادر موثوقة أنه خلال يومين سيقوم بشراء بعض القطع الأثرية فمن هو مصدره حينئذ نفى الأمر، وقال إن كل ما لديه حصل عليه من خلال عمله في التنقيب خلال عهد الاحتلال والسلطة.
خبير: الوضع الاقتصادي السيئ دفع المنقبين الصغار للعبث في المواقع الأثرية
أفادت مصادر خاصة أن طبيعة عمل الشخص، ذاته تتحفظ "الرسالة" على ذكر اسمه، في المقاولات ساعدته كثيرا في العثور على قطع أثرية والتحفظ عليها دون إخبار الجهات المختصة، عدا عن مشاركته بمعارض أوروبية بتلك القطع وحصوله على مبالغ طائلة.
التوثيق والتسجيل
ورغم حديث الجهات المختصة حول ضبطها لعمليات تجارة المقتنيات الأثرية، إلا أن هناك فوضى وفق إفادات التجار أنفسهم.
"الرسالة" التقت جمال أبو ريدة مدير عام السياحة والاثار في وزارة السياحة، فقد ذكر أن هناك أكثر من عشر مجموعات صغيرة تعود لعائلات شهوان، والعقاد، والخضري، وترزي، والزرد" وغيرهم، ويتم متابعتهم باستمرار ومنح كل قطعة لديهم ختم الوزارة وتسجيلها.
وأكد أن هناك علاقة جيدة مع أصحاب المجموعات الخاصة، فهم يستعينون بهم لتنظيم المعارض سواء داخل الوزارة أو من خلال مشاركة المؤسسات التي تعنى بالآثار كالجامعة الاسلامية.
ووجهت اتهامات لأصحاب المجموعات الخاصة، تفيد بأنهم يخفون الثمين من القطع عن أعين الوزارة للتصرف فيها بمعرفتهم الخاصة بواسطة زبائنهم، وردا على ذلك يقول أبو ريدة:" لدينا موظف خاص لمتابعة تلك المجموعات، وباستمرار يقوم بتوثيق القطع الجديدة مهما كان حجمها"، موضحا أن كل قطعة يتم تصويرها وكتابة تعريف بسيط لها ومن ثم منحها رقما متسلسلا وحين الانتهاء يتم توقيع تعهد لصاحبها بعد حصر اللقى الأثرية لعدم التصرف فيها.
وأكد على أنه من حق الوزارة مصادرة أي قطعة غير مرخصة، كما حصل قبل أربعة شهور حينما تم مصادرة 1047 قطعة أثرية للشاب "م.س" الذي كان يروج لها عبر "الانستغرام" مصحوبة بوثائق تؤكد قدمها، فلم يدرك بأن هناك رقابة من قبل الوزارة حتى تم القبض عليه وسجنه.
وأشار أبو ريدة، إلى وجود تواصل مستمر مع المباحث السياحية، حيث يشتركون معهم بالسيطرة على تجاوزات كثيرة تم ضبطها، موضحا أن هناك أشخاصا يسلكون طرقا للوصول إلى أماكن التنقيب التابعة لوزارة السياحة في "تل رفح" الأثري حيث ألقي القبض هناك على شاب حاول العثور على قطع أثرية تمت احالته للقضاء بعد التحقيق معه.
ولفت إلى أن هناك مشكلة تواجه وزارته، وهي منذ تسلم حكومة الوفاق الحقب الوزارية سنة 2014 تم التوقف عن التنقيب وذلك بعد منع الخبراء الأجانب من الوصول للتنقيب معهم، وكذلك عدم فرز وزارة العمل عمال بطالة لمساعدتهم في التنقيب والبحث عن لقى أثرية.
متحف شهوان: تُعرض علينا قطع مزورة لشرائها
وأفاد أن القطع الأثرية التي يعثرون عليها، أو يضبطونها بحوزة المواطنين يتم وضعها في مخازن الوزارة أو عرضها بمتحف قصر الباشا بحي الدرج في مدينة غزة.
وأنهى أبو ريدة الحديث عن ظاهرة تهريب الأثار في قطاع غزة، من خلال تأكيده على أنه بعد الانقسام السياسي لم تخرج أي قطعة أثرية للمشاركة في متاحف أجنبية، مشيرا في ذات الوقت إلى أن هناك مجموعة خرجت زمن السلطة ولاتزال تعرض في المعارض السويسرية.
وعن تفعيل وزارته للقوانين أكد على أن جميعها قديمة ويسعون لتحديثها كون العقوبات لا تفي بالغرض، خاصة فيما يتعلق بمن يهدمون البيوت القديمة، حيث يتحجج أصحابها بأنها آيلة للسقوط أو تشكل خطرا على السكان، رغم أن تكلفة ترميمها تكون على الأقل 50 ألف دولار.
ولفت إلى أن مركز ايوان التابع للجامعة الاسلامية مهمته اعادة ترميم البيوت القديمة كالعلمي وغيرها، للاستفادة منها في تأسيس جمعيات تعنى بالتراث.
القطع المزيفة
وإلى متحف العقاد الذي يزيد عمره عن أكثر من ثلاثين عاما تحدث صاحبه الستيني "وليد العقاد"، أنه جمع المقتنيات من خلال شرائها من أصحاب الاراضي التي عثروا عليها زمن الاحتلال، وذلك للمحافظة عليها خشية وصولها إلى أيدي الاحتلال.
ويؤكد كبقية المهتمين باقتناء اللقى الأثرية أن بعض الشخصيات تستغل نفوذها وتقوم بتهريبها إلى الخارج للحصول على أموال كثيرة، كأن يأخذون معهم قطع النقود القديمة دون الانتباه لهم.
وبحسب متابعته، فإن وفودا أجنبية تزور قطاع غزة للبحث عن قطع أثرية خاصة الصغيرة منها والتي يسهل حملها كالعملات القديمة والتماثيل الصغيرة، حيث يدفعون مبالغ كبيرة لإغراء صاحبها.
وخلال عرضه لقطعه الموثقة من وزارة السياحة، أكد أنه عرضت عليه بعض القطع المزيفة لشرائها، لكنه اكتشف زيفها سريعا، لافتا في الوقت ذاته أنه من خلال متابعته فإن ضبط الجهات المختصة لحركة البيع والتهريب ليست بالشكل الكافي ولا يوجد اهتمام كبير بالمحافظة على المواقع الاثرية.
صغار النباشين
"باع وغني" هذه الجملة التي يرددها هاوي جمع الأثار، فذلك الوصف تماما انطبق على الشاب الثلاثيني "كمال" - اسم مستعار- حينما لم يجد سبيلا للبحث عن وظيفة، فسلك طريق التنبيش في الأماكن الأثرية وكان كلما يجد قطعة يبيعها بمبلغ يتجاوز الألف دولار.
تحسن وضع " كمال" المادي، عندما كانت الانفاق بين قطاع غزة ومصر عامرة، فقد كان يدخل الاثار المزورة ويبيعها للمهتمين إلى حين كشف أمره بعد تقديم بلاغات ضده وكان مصيره السجن.
ورغم أن عدد لا بأس به ينبش خفاءً بالمواقع الأثرية، إلا أن الباحثين يؤكدون أن ما تم التنقيب عنه في قطاع غزة لا يتجاوز الواحد بالمائة.
وهنا يصف الخبير أيمن حسونة أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية، وضع واقع الآثار في قطاع غزة بالسيئ، مرجعاً ذلك إلى الحصار الذي أعاق وصول وفود الدول المانحة التي كانت تساعد في دعم مشاريع حماية الاثار.
وأكد أن الفريق الفلسطيني المختص بالآثار، امكانياته محدودة وبحاجة إلى دعم ودورات تدريبية لوجود عدد كبير من المواقع الاثرية التي تتعرض للتدمير الطبيعي أو التدخل السيئ من قبل المواطنين.
ولفت إلى أن المواقع الاكثر طمعا بالنسبة للمنقبين هي "تل الخروبة وتل العجول وتل السكن وتل رفح الذي يعود للعصر اليازوري"، فتلك المواقع تدل على عمق تاريخ قطاع غزة وأهميته في العصور القديمة.
وبحسب حسونة، فإن سبب عدم خوف مهربي الاثار يرجع إلى أن قانون الاثار المعمول به في قطاع غزة رقم خمسة لسنة 1929 الذي أقره المندوب السامي حينذاك، يحتوي على بنود تجعلهم يتساهلون بتجارة الآثار وحيازتها، لذلك لابد من اقرار قانون فلسطيني حازم للحد من هذه الظاهرة.
وحذر من زيادة ظاهرة التهريب كون بيع الآثار وإخراجها من قطاع غزة يمثل سرقة للتراث الفلسطيني، خاصة من قبل الأثرياء الذين نقبوا فترة الاحتلال دون وجود رادع لهم آنذاك، مشيرا إلى أن ضعف القوانين سيعمل على تشجيع النباشين الصغار ليعبثوا في المواقع الأثرية.
ويوضح أن سبب التنبيش في الآونة الأخيرة يرجع إلى الوضع الاقتصادي السيئ والبطالة التي دفعت الشباب للتنقيب غير المبرر، مبينا أنه مرات عديدة شاهد شبابا يحملون "المعول" متجهين صوب المناطق الأثرية للتنبيش.
وبعد تنبيش "الرسالة" في هذا الملف الخفي والشائك في ذات الوقت، تبين أنه رغم متابعة الجهات المختصة لضبط تلك الحالات، إلا أن تجار الآثار يجدون طريقهم للسطو على تاريخ وتراث غزة، مما يستدعي مضاعفة الجهود وتطوير القوانين لتكون صارمة للحد من الظاهرة التي ستزداد في الوقت الذي يتساهل فيه صغار التجار ويعلنون عن بضاعتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.