ظهرت في تونس حركة ثقافية من نوع خاص، مع بروز مبادرات شبابية تهدف إلى جعل قراءة الكتب واقعا ملموسا خارج الفضاءات المألوفة كالمكتبات العادية، وشجعت هذه المبادرات عددا من الشبان على التزود بالكتب والتباحث حول قضاياها وحتى بناء صداقات.
تتمثل إحدى هذه المبادرات في إطلاق منصة إلكترونية تسمح لمستخدميها بإعارة الكتب وتبادلها مجانا، وتم إطلاقها حديثا من قبل أحد الشبان الجامعيين بهدف تذليل عقبات تقف حائلا أمام اقتناء الكتب ومطالعتها مثل نفادها من المكتبات أو غلاء أسعارها.
يقول صاحب المبادرة أحمد الحضري المتخرج من كلية الأعمال للجزيرة نت إن مشروعه الذي أطلق عليه اسم "يلا ريد" استطاع أن يستقطب أكثر من ألفي مستخدم يضعون على ذمة بعضهم 1500 عنوان متنوع من روايات وكتب متخصصة بالعربية ولغات أجنبية.
هذه الفكرة انبثقت من "حاجة جماعية" لمسها أحمد لدى بقية طلاب الجامعات الذين يواجهون صعوبات في التزود بالكتب المختصة لدى المكتبات، لذلك قرر أن يبعث مشروعه ليربط العلاقات بين المولعين بالمطالعة عن طريق وضع كتبهم على ذمة بعض.
ويهدف هذا المشروع إلى "تحسين النفاذ إلى الكتب وتشجيع الناس على المطالعة والتباحث حول قضايا الكتب".
درجة انضباط
ونجح المشروع في أن يعزز الثقة بين المستخدمين الذين يقيمون درجة انضباطهم في إعادة الكتب المستعارة إلى أصحابها سليمة في وقت محدد. ومن بين هؤلاء الشابان أشرف وميسم اللذان أصبحا صديقين عقب تعرفهما على بعض لأول مرة عن طريق الموقع.
فبعد شهر من لقائهما الأول الذي استعارت فيه الطالبة ميسم (21 عاما) الرواية الفرنسية "الرجل الذي أراد أن يكون سعيدا" تقابلت الفتاة مع أشرف (25 عاما) الذي يعمل بإحدى البنوك الخاصة لتعيد له كتابه وتتبادل معه الأفكار.
يجلس الاثنان بمقهى بالعاصمة التي تسري فيها الحياة على وقع أيام قرطاج المسرحية ليتحدثا عن مضمون هذا الكتاب الوجودي وتغمرهما حالة من السعادة بفضل تجربة تقاسم الكتب عن طريق هذه المبادرة التي وجد فيها آلاف المغرمين بالمطالعة ضالتهم.
تتحدث ميسم للجزيرة نت بسرور عن اشتراكها بموقع "يلا ريد" الذي مكنها لأول مرة من استعارة أحد كتبها المفضلة ومناقشته مع صاحبه، وهو أمر تراه سيتكرر في المستقبل "نظرا إلى مخزون الكتب الوافر الذي يضعه المشتركون بالموقع مجانا".
في المرة القادمة ستقرض ميسم بدورها كتابا لأشرف الذي كانت له تجارب عديدة في تقاسم الكتب مع مشتركين آخرين، إذ يقول للجزيرة نت "اهتمامي بالمطالعة جعلني أنفذ بشكل مستمر للموقع للبحث عن العناوين التي أحتاجها لاستعارتها مقابل كتبي".
ولا يقتصر المشروع الذي يسعى لأن يجعل القراءة واقعا ملموسا في الحياة اليومية على تبادل الكتب بين مشتركي الموقع، فقد أبرم صاحب المشروع اتفاقية مع إحدى شركات سيارات الأجرة لتزويد زبائنها بكتب وضعت خلق كرسي السائق لتحفيزهم على القراءة.
حلقات نقاش
وبرزت في تونس عدة مبادرات للفت أنظار الناس إلى أهمية المطالعة، حيث أطلق شبان حلقات نقاش حول قضايا بعض الكتب في المقاهي العادية، في حين لجأ آخرون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم نصائحهم لرواد القراءة حول بعض الكتب التي طالعوها.
وتأتي هذه المحاولات لحث الناس على أهمية القراءة في حياتهم، في وقت كشف فيه استبيان لمكتب دراسات أنجز العام الماضي حول القراءة بتونس عن أن 79% من التونسيين لا يملكون كتبا بمنازلهم ما عدا الصحف والمجلات والقرآن.
غير أن شكري المبخوت الكاتب التونسي، ومدير الدورة القادمة لمعرض تونس الدولي للكتاب، يقول إنه لا توجد إحصاءات دقيقة تدل على وجود أزمة مطالعة في تونس، موضحا أن الأرقام الرسمية "يجب أن نبحث عنها في عدد مبيعات الكتب وميول القراء".
ومع أنه يقر بوجود شكاوى من قبل الناشرين بسبب تراجع مبيعاتهم، فإنه يؤكد للجزيرة نت أنه لا يمكن التثبت بدقة من نسب القراءة "بسبب تفشي تزوير طباعة الكتب ونشرها في شكل "بي دي أف" على الإنترنت دون أن يعلم كتابها في العالم العربي".
ويرى المبخوت الحائز على جائزة البوكر العربية لروايته "الطلياني" أن "هناك تحولا في نمط المطالعة في تونس بفضل بروز مبادرات شبابية تسعى لتحفيز الناس على القراءة والتزود بالكتب ومناقشة قضاياها؛ وهو ما يبرز وجود علاقة متميزة مع الكتاب".
المصدر : الجزيرة نت